ثقافة وفنون

طفولةُ الخَرس الجديدة

30 أكتوبر 2017
21616374_805785712936401_7126697680621659373_n.jpg
نبيل علي/ العراق
حسين البندر
حسين البندر شاعر وكاتب من العراق

لم يكن وصولي إلى ألمانيا كافيًا لجعلي صفحةً بيضاء، كطفل مدلل، كملك صغير، كمراهق في أوروبا. فما زلتُّ مذعورًا في الليل، أخاف الشوارع والسّيارات، وأخاف الأشخاص الذين يمشون صدفةً ورائي، رغم أنهم بشر طبيعيون، وليسوا قتلة، وهم في أسوأ حالاتهم سكارى يتصايحون بلغة لا أفهمها.

أجدني جامدًا بلا حراك أو تفكير واضح في مقهى ألماني، حيث لا شيء يشبه بغداد وحياتها الرتيبة، سوى الكآبة التي تهبط بداية الغروب، كملاك ثقيل، فأتذكر ريلكه "ابق رابط الجأش، إذا ما فجأةً هبط على طاولاتك الملاك".

لا أمسح عن خد المدينة رذاذ المطر المختلط بالتراب. جئتُ في صباحٍ باكر، أعقبته ليلة في شاحنة ذات سقف من الحديد، وكان صحافي أجنبي يسأل عن وجهتنا، رغم أن وجوده كان فائضًا، وبدا أنه حذر خشية جرح المشاعر أو ما شابه. لأنه كان يسأل حذرًا ويعتذر أحيانًا، ولكن لم يبد عَلَيْه أنه خائف أو نادم، بينما كانت على ظهري بقايا ركام قديم، ووجهي يلتف بشال عثرت عليه في الحدود الهنغارية-النمساوية، وأثناء ذلك وبعده، كان قلق عراقي تقليدي يلاحقني، إذ كنتُ وحيدًا وليس مع مجموعة، حَيْث تخلو الساحة وتغلق المحلات في الثامنة، فيبدو المتشرد وكأنه يخرج من نهار الحرب الأول. العمال أغلقوا أبوابهم، فأظنُ أن المقهى سيفتحُ بعد قليل، وسيعودون للجلوس، أو أن بضعة فتيات سيضحكن بصوتٍ عال، ودورية للشرطة تمر دون أن تترك أثرًا، لكن لم يحدث أي حدث يستحق الذكر، إذ أن هذا اليوم يشبه اليوم الذي مضى، واليوم التالي سيكون هكذا أيضًا. لستُ أنا فقط غريبًا على الألمان، وانما هم غريبون عليّ أيضًا، وكلانا لا نملك الرغبة في التعرف على بعضنا البعض. ربما نتوجس أثناء السير إلى مركز المدينة، حيث يذهبون الى العمل، بينما أذهب أنا إلى تكسير قواعد اللغة، إلى كلمات لا تكاد تُنطق.

رجعت إلى المدرسة طفلًا، تعلمت الأحرف الأبجدية، الأرقام من 1 إلى 10، وتعلمت أيضًا الإشارات والكلمات الأولى، صرت بالنسبة لهم صفحة بيضاء، ولكني لست كذلك بالنسبة لي.

هل هذه طفولة ثانية أختارها بمحض إرادتي؟ لا سيما أنها تبدو متسامحة وعفوية وصلدة، لكن المرء لا يتذكر من طفولة بغداد سوى الأسمال، أو طين في الأرضيّة مختلطًا بغبار الهجمات الجوية. نعم، إنني أختارُ طفولةً جديدة، طفولة بديلة عن طفولة لم أخترها. صحيح أنّ الوقت تأخّر كثيرًا، لكنّ الصحيح أكثر أنه لا بد من طفولة حقيقية ليكون للحياة اللاحقة أن تبنى عليها كما ينبغي. بين كثيرٍ من العبث وقليل من الجدوى أمضي إلى طفولتي راضيًا، لكني لا أعرف لما أرتبك الى هذا الحد، حيث تجلس الكلمات على لساني دون حركة، فيما كلمات الطفولة الأخرى كانت تتقافز في فمي برشاقة وحيوية. أهي طفولة الخرس وتلك طفولة الكلام؟ لا أدري! 

 

اقرأ/ي أيضًا:

في العطش الأخير

الجميع ولا أحد

الكلمات المفتاحية

مدرس.jpg

صور: أستاذ عراقي يتطوع لتعليم المسمارية بطريقة مبتكرة

ينظم مدرس مبادرة سنوية لتعليم الكتابة المسمارية عبر مشروع يستهدف طلاب المرحلة المتوسطة


الهيئة العامة للاثار والتراث.jpg

البعثة التنقيبية العراقية الإيطالية تقترح إقامة متحف ثابت في تل محمد

اكتشافات آثارية في تل محمد ببغداد


جروانة.jpg

لا سياج ولا إجراءات تأمين.. "تويوتا العراق" تبرر صعود "لكزس" فوق السد الأثري

بررت شركة "تويوتا العراق" تصوير إعلان تجاري على متن سد جروانة الأثري في محافظة نينوى والذي أثار استياءً كبيرًا وتفاعلاً غاضبًا


المخرج العراقي محمد شكري جميل.jpg

أخرج "المسألة الكبرى" وشارك في أفلام عالمية.. رحيل المخرج العراقي محمد شكري جميل

النقابة والوزارة تنعيان المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل عن عمر 88 عامًا

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert