ثقافة وفنون

هواء مُحتضر

2 أكتوبر 2017
1bdca99fecd4b4597b2b756a8fcb6c57.jpg
علي آل تاجر/ العراق
مريم الحسيني
مريم الحسيني قاصة من العراق

كانت قد توقفتْ عن التدخينِ مُنذ فترة.

أشعلتْ سيجارًا وأخذتْ ترتشفُ دُخانَهُ بِبُطءٍ، ظنّتْ أنها ربما ستستشعر حنينًا لحرقِ التبغ ورائحته، إلا أن الأمور كانت مغايرة لتوقعاتِه. الجوّ حارٌ وطعم السيجار قد اختلف، ربما بسبب المرض فكرتْ. الغرفةُ الخاليةُ من النوافذِ تَرتعُ وسط سحابة دُخان كثيفة، حيث إنها، وبشراهة غير متوقعة، أخذتْ تَحرقُ السجائرَ واحدةً تِلْو الأخْرى كأنها تعاقبُ الهواءَ لإبقائِها على قيدِ الحياة. باتتْ تَمضُغُ لعابها بطريقةٍ تدعو للشفقة. إنّها فتاةٌ مطيعةٌ وحزينةٌ إن رأيتها وسط جموع الناس الذين تخشاهم، لكن فور انفرادها بنفسِها سيظهر العهرُ من حيثُ يجهل الناظر إليها، قلبُها المسكينُ مسكين، رغم ذلك، يداها لم تقتربا من الفاحشةِ أبدًا، ولكن ماذا يوجد داخل ذلك الرأس جميل الاستدارةِ؟ كَومَة هُراءٍ مطلقة، عقلٌ مريضٌ محمل بغبارِ سنينَ خلت. لطالما استنشقت رائحةً غريبةً بشعة وكانت تظنّ أن تيكَ الرائحة سترافقها طوالَ حياتها، رائحةُ الأفكارِ النتنةِ.

تُلملم أطراف ثوبِها لِتُخفي ما ظَهَرَ من جسدِها، أسفلَ جسدِها على وجهَ التحديد، تشعرُ بخجلٍ يترافقُ في العادةِ مع وجودِ شابٍ يختلسُ النظر، من يختلسُ النظرَ إليها في غرفتِها المغلقة؟ تتصفحُ كتبَ المكتبةِ واحدًا تِلْو الآخر دون اهتمام مَلْحوظ، تبحثُ عن كلمةٍ لِتلتمسَ طريقًا ما.

مُتشردةٌ هي، وَسَط زحمة الرغبات، تشعرُ دومًا بالقلق لأنها ربما لم تكن عاطفيةً بما يكفي، هناك مواقفُ عدة تتطلبُ ربًا لتتجاوزَهُ، لن يفهمَ الآخرون ما حاجة العاطفة هنا، لكنها تفهم، عليكَ أن تشعرَ بالسوء لأجلها إنها قبيحةٌ للغاية، تُثيرُ سُخطك واشمئزازك، لا عليك اعترف بذلك: إنها مثيرة للشفقة، حد الغباء.

إذًا؟ هي تنهضُ تتركُ بقعةَ الجلوسِ مبللة بعرقِ القلقِ، تفتحُ البابَ وتغلقُه بسرعةٍ تودّ الاحتفاظ بالدُخانِ ليخنُق الهواء وقتًا أطول، تسيرُ بترَنّحٍ نحْو الحديقةِ؛ ترمي بجسدِها على التراب حيثُ يَبدأ بالنزيف، يتلون التُراب بلونِ دِمها، تنظرُ الى السماءِ وتحلمُ بلونٍ قرمزيٍ يجتاحُها، تبكي بلا صوت، بلا دموع، بلا رغبةٍ حقيقيةٍ للبكاء.

تُعانق الحشائِش بكفِ يدها يتخللُ التراب أَظْفارها ويتركُ حرقةً غريبةً، تحملُ التُرابَ، مخلوطًا بدمهِا وحشائش قليلة، إلى فمها تأخذُ نفسًا عميقًا وتبدأ بفركهِ، تُلوِثُ شفتيها الورديتين وجانب خَدّها الأيسر، تلعَقُ أطْراف أصابعها بحثًا عن قطرةِ دمٍ، تُغمض عينيها بحثًا عن غفوةٍ، صوتُ الريحِ يداعبُ الأشجار، سيارةٌ بعيدةٌ، ضحكةٌ متناميةٌ تقتربُ، ثُمّ! صوتُ ارتطام المطر بإسفلت الشارع.

سيغسلها، المطر، ستشعر بالبرد وتعودُ لسريرها، لن تبكي، ستنام فورًا وتستيقظُ بابتسامة جديدةٍ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أنا خليل.. أنت هبة

النائمون على حصيرِ غيومهم

الكلمات المفتاحية

مدرس.jpg

صور: أستاذ عراقي يتطوع لتعليم المسمارية بطريقة مبتكرة

ينظم مدرس مبادرة سنوية لتعليم الكتابة المسمارية عبر مشروع يستهدف طلاب المرحلة المتوسطة


الهيئة العامة للاثار والتراث.jpg

البعثة التنقيبية العراقية الإيطالية تقترح إقامة متحف ثابت في تل محمد

اكتشافات آثارية في تل محمد ببغداد


جروانة.jpg

لا سياج ولا إجراءات تأمين.. "تويوتا العراق" تبرر صعود "لكزس" فوق السد الأثري

بررت شركة "تويوتا العراق" تصوير إعلان تجاري على متن سد جروانة الأثري في محافظة نينوى والذي أثار استياءً كبيرًا وتفاعلاً غاضبًا


المخرج العراقي محمد شكري جميل.jpg

أخرج "المسألة الكبرى" وشارك في أفلام عالمية.. رحيل المخرج العراقي محمد شكري جميل

النقابة والوزارة تنعيان المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل عن عمر 88 عامًا

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert