ثقافة وفنون

مجزرة سجائر في شقتي

18 يونيو 2017
Memorial_big.jpg
عادل عابدين/ العراق
عبد القادر إياد
عبد القادر إياد كاتب من العراق

كان جدي موظفًا حكوميًا في إحدى وزارات الدولة، وعضوًا في حزب البعث، أُسر في الحرب العراقية - الايرانية، بقي سنتين في الاسر، قد أصيب بمرض السكري هناك، عاد في عام 1990 إلى وطنه، أيضًا عاد الى شغل وظيفته ومكانه الحزبي القديم، وأسرته.

في نهاية الألفية الثانية، ربما، حدث خرف في رأسي جدي، قال بأنه سيبيع بيت العائلة وعلينا أن نبحث عن مكان جديد، أي أسرتنا الصغيرة، والديّ وأخي الكبير وأنا، بقينا نبحث عن شقق في بنايات نتنة، أغلب البنايات كانت تشبه المواخير؛ قوادون بروائحهم، وقحاب بلحمهن المتدلي، سماسرة جشعون، عائلات صغيرة تبحث عن طريق جديد، كان عمري خمس سنين ولم ادخل المدرسة بعد، كنت أنتقل مع أبي وأمي بحثًا عن مكان بدلًا من البيت القديم الذي عرض للبيع، كان الحصار الاقتصادي في عظمته، كنا نأكل الرز السيئ الذي يشبه رز السجون، والبطاطس، والخبز المنقوع بالشاي، كانت هذه وجباتي اليوم، والتي بقيت ملازمة لي لوقت طويل.

أخيرًا، وجدنا شقة في الطابق الثاني، في إحدى البنايات التي بدت نظيفة بالنسبة للأماكن الأخرى التي كنا نقصدها، وبالصدفة، كانت الشقة لمومس، يا للحظ! لم يقل لنا صاحب البناية ذلك، سبّب لنا سوء الحظ مشاكل صغيرة مع زبائن المرأة التي كانت تسكن في نفس الشقة قبل أن نسكن فيها.

بقيت أنتقل مع أمي بين البيت القديم والشقة التي استأجرناها، حاملين معنا أدوات للتنظيف. كلما تذكرت هذا المشهد شعرت بأنه مستقطع من مسرحية تراجيدية. كانت البناية من حيث العلاقات الإنسانية، أشبه بالسجون، حيث الكلمة الأخير تكون لأقدم ساكن في البناية، والتي كانت امرأه بدينة، تشبه المرأة في قصيدة بوكوفسكي "مأساة العشب". ولدت هذه المرأة في أحد الأحياء البغدادية القديمة، كانت بدينة ووجها محمر قليلًا، تزوجت من رجل من غير قوميتها، كان ملتزمًا أخلاقيًا ودينيًا، وكانت تفرض كلمتها بصوتها العالي، وبجرأتها.

كان في البناية من هم بمثل سني، أكبر أو أصغر قليلًا، وكنا في الظهيرة نجلس على سلم البناية، الذي يضاء من شعاع الشمس المنساب من كوة تتوسط المبنى، هواء عذب وإضاءةٌ مذهلة، كنت أحب الجلوس هناك، كنا نملأ مدخل البناية بالماء وننزلق حتى نرتطم بالباب، مما سبب لي كدمات في قدميَّ، كانت المرأة البدينة تصيح، حتى تجعلنا نهرب إلى شققنا، كرهتها. قبل أيام استيقظت وأشعلت سيجارة، ووجدت مجزرة سجائر في منفضتي، سجائر مبتورة، علمت أنها للمرأة ذاتها، كانت تقسم السيجارة إلى نصفين، لأنها مُنعت من التدخين، نظرت إليها وأنا أشعر بحنين لتلك الايام البائسة التي قضيتها داخل هذه البناية، بقيت أنظر اليها وأحسب السجائر المبتورة في منفضتي، السنوات التي قضيتها، عدد الأمراض التي مرت على جسد هذه المرأة، قلت بحزن ضاحك: لقد ارتكبتِ مجزرة سجائر في شقتي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصورة التي انتظرتها الأم

مسحور برهبة الوقوف أمام جثته

الكلمات المفتاحية

مدرس.jpg

صور: أستاذ عراقي يتطوع لتعليم المسمارية بطريقة مبتكرة

ينظم مدرس مبادرة سنوية لتعليم الكتابة المسمارية عبر مشروع يستهدف طلاب المرحلة المتوسطة


الهيئة العامة للاثار والتراث.jpg

البعثة التنقيبية العراقية الإيطالية تقترح إقامة متحف ثابت في تل محمد

اكتشافات آثارية في تل محمد ببغداد


جروانة.jpg

لا سياج ولا إجراءات تأمين.. "تويوتا العراق" تبرر صعود "لكزس" فوق السد الأثري

بررت شركة "تويوتا العراق" تصوير إعلان تجاري على متن سد جروانة الأثري في محافظة نينوى والذي أثار استياءً كبيرًا وتفاعلاً غاضبًا


المخرج العراقي محمد شكري جميل.jpg

أخرج "المسألة الكبرى" وشارك في أفلام عالمية.. رحيل المخرج العراقي محمد شكري جميل

النقابة والوزارة تنعيان المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل عن عمر 88 عامًا

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert