ثقافة وفنون

المعري ثلاثي الأبعاد.. وبورخيس وأبو نواس

27 فبراير 2018
GettyImages-526242924.jpg
فيرجيل ودانتي على أبواب الجحيم - غوستاف دوري (1832-1883)
مها عمر
مها عمر مترجمة وباحثة من مصر

مذ تركتُك يا بغداد، وأنا أبحث عن مدينة تشبهك في الكتب، أسأل عنكِ شارع الرشيد الذي قضيتُ فيه نصف حياتي، الهواء الرطب في أرجائه، شرائط القماش المرفرفة من مدفع "طوب خزامة" لنذور نسوة لا يلدن.

مواكب الأعراس ومواكب مشيعي الموتى، جامع الحيدر خانة، ورائحة خبز الصمون من أحد المخابز في شارع المتنبي.

أنا الآن ابن القصة الخيالية. يجالسني كل ليلة بورخيس وأبو نواس والكئيب العجيب المعرّي، يقرؤون عليّ الشعر ونصوصًا طويلة، وأسمع في الخلفية موسيقى جميل بشير.

المشكلة أنني لا أذكر إطلاقا ماذا كانوا يقولون، لأنه في كل مرة يكون كل كلامهم مدبلجًا بلغة المنام، وأنا في المنام لا أسمع بل أرى.

ذات ليلة بدا أن بورخيس بثقل ظله وهيبته البادية وسخريته اللاذعة قال شيئًا لأبي نواس عن حكاية عربية، فضحك أبو نواس حتى وقع على ظهره، بينما جلس المعري في الظل يرقبهما بمرارة الذي عزل نفسه وهمه عن الناس.

ذهبت إلى المعري لأتفقده، فحذرني بنظرة قاسية من الاقتراب، ثم بدا وكأننا جُمعنا على سحابتين متقابلتين، قلت له: أوتدري أين رحلت؟

ألم تكن مودعًا؟

(أطرقت رأسي)

هز رأسه و قال بلهجة تقريرية: ومن يومها وأنت تنتظر مشهد الوداع ذاك، قلت: نعم .

و ماذا كنت لتفعل؟
كنت سأعطيها قصيدة كتبتها، وربما كتابًا، أوصندوق موسيقى.

من غيمته، انسل ممر طويل يبدو كمكتبة قديمة تناثرت فيها مخطوطات وكتب، وبرزت منها تلال صغيرة حوت مشاهد خاطفة لمعارك قديمة، ونسوة يغنين، ومشهدٌ لأميرة تشرب سُمًّا فتموت، وأخرى تضرب عنق أحدهم بالسيف، وثالثة تتذوق طعامًا من قدرِ ضخم، وكلما اتجه فيه أعمق كلما بدا أن التاريخ يعود إلى الوراء، حتى اعترض طريقه "بابون" ضخم صائحًا: أنا الإله أمنحوتب. فصرخ المعري في وجهه وقال: أين عشتار؟ فاختفى البابون وظهرت سيدة جميلة ذات قوام ممشوق، قالت بصوت رخيم: أنا ماعت.. أنا أطيب من عشتار، أنا إلهة الخير.

تجاوزها المعري حتى وصل إلى عشتار، وعلى غير ما علمتُه عنها، بدت عشتار عجوزة، تدهن قدميها المعرورقتان بدهان أصفر. وتمسح وجهها برفق جالسة على كرسي حجري قديم.

حينها نظر لي المعري وقال: ها هي عشتار.. اتلُ عليها قصتك.

فقالت ضجرة: لا طاقة لي بالمحبين وقصصهم، من فوّت ليلة فعليه وزرها، ومن أضاع حبيبًا فليحمل عبء ذاكرته، ومن عطش جسده فليروه، ومن ابتُلي بالشوق فليشتق. أعرف كثيراً من الآلهة عاشت مشتاقة ونادمة مثلي.. لا جديد. عش مشتاقاً. الشوق لا يقتل.

سقط المعري على غيمته مرهقًا. وراح يحوقل . ويصمت قليلًا. ربما شرد طويلًا قبل أن يقوم بصعوبة وهو لا ينظر خلفه، فهتفت أسأله: إلى أين يا مولانا؟ فقال وهو يفرقع بقبقابه على غيمته: إلى يوم القيامة. فقلت له: وأنا؟ فقال: ادع أبا نواس والأرجنتيني ثقيل الظل.

فراجعته مرة أخرى: وأنا؟

فاستدار نحوي واتجه صوبي بسرعة وهو يطير بعد ان اختفت رجلاه، وأمسكني من ياقتي بعنف وهو يقول: أنت يا غبي لا يزال أمامك وقت.. اذهب وعش!

 

اقرأ/ي أيضًا:

طريقة فاتنة لقول الحرب

أعشاب تحت وقع المفاجأة

الكلمات المفتاحية

مدرس.jpg

صور: أستاذ عراقي يتطوع لتعليم المسمارية بطريقة مبتكرة

ينظم مدرس مبادرة سنوية لتعليم الكتابة المسمارية عبر مشروع يستهدف طلاب المرحلة المتوسطة


الهيئة العامة للاثار والتراث.jpg

البعثة التنقيبية العراقية الإيطالية تقترح إقامة متحف ثابت في تل محمد

اكتشافات آثارية في تل محمد ببغداد


جروانة.jpg

لا سياج ولا إجراءات تأمين.. "تويوتا العراق" تبرر صعود "لكزس" فوق السد الأثري

بررت شركة "تويوتا العراق" تصوير إعلان تجاري على متن سد جروانة الأثري في محافظة نينوى والذي أثار استياءً كبيرًا وتفاعلاً غاضبًا


المخرج العراقي محمد شكري جميل.jpg

أخرج "المسألة الكبرى" وشارك في أفلام عالمية.. رحيل المخرج العراقي محمد شكري جميل

النقابة والوزارة تنعيان المخرج السينمائي العراقي محمد شكري جميل عن عمر 88 عامًا

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert