"ألترا عراق" يكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال قاضي ميسان
8 فبراير 2022
ألترا عراق ـ فريق التحرير
على مقربة من 6 دوائر أمنية، يحيطها الحرّاس وكاميرات المراقبة، اخترق مسلحون المكان على درّاجة نارية وأطلقوا النار على القاضي المختص بجرائم المخدرات في ميسان أحمد فيصل خصاف. ووفق معلومات حصرية لموقع "التراعراق" يكشف عنها لأول مرّة، فإنّ اغتيال خصاف قد حصل بعد ثلاثة اعتداءات مسلّحة على منزله، منذ تسنمه قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية قبل عامين.
اغتيال خصاف جاء بعد ثلاثة اعتداءات مسلحة على منزله منذ تسنمه قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية قبل عامين
وتحدّث أحد المقربين من القاضي المغدور لـ"ألترا عراق"، أنّ "خصاف استلم مهامه في محكمة تحقيق العمارة لمكافحة المخدرات منذ سنتين، حيث كان قبله القاضي سعد سبهان والذي يشغل حاليًا عضو الهيئة الجنائية الثانية في ميسان".
اقرأ/ي أيضًا: القضاء العراقي يتعامل كخصم مع "السلاح المتخفي" لأول مرة: قناعة جديدة أم "ثأر"؟
وطلب المقرّب عدم الكشف عن اسمه "خوفًا من المرور بنفس مصير القاضي"، بحسب قوله، وأضاف أنه "في زمن القاضي السابق كانت أعداد المتعاطين والمروجين في ميسان أقل من الفترة الحالية، مستدركًا "لكنّ ظاهرة تعاطي المخدرات بدأت تنتشر بشكل كبير في المحافظة بسبب عمليات التهريب المستمرة"، كما أوضح ذات المصدر أن شعبة المخدرات كانت سابقًا "قاعتين فقط وكل قاعة تتسع لـ 85 شخصًا، لكنّ بعدما استلم القاضي خصاف أصبح أعداد الملقي القبض عليهم كبيرًا، حيث كان لا يتهاون في قضية الاتجار بالمخدرات".
بداية تسنمه المنصب
وتابع المقرّب من القاضي حديثه عن مسيرة خصاف، أنّ "القاضي وفور استلامه المنصب قام بإجراء تغييرات في مناصب ضباط التحقيق"، وهو ما أدى إلى الاعتداءات الثلاثة التي تعرّض لها القاضي منذ تسنمه المنصب، وكانت أول حادثة مع القاضي قبل سنة تقريبًا، "حيث تم الاعتداء على منزله في منطقة حي المعلمين الثانية، بواسطة عبوة ناسفة، ولم تصل التحقيقات إلى المنفذين"، وفقًا للمقرب من القاضي.
وأضاف أنّ "الاستهداف الثاني كان بعد 4 أشهر من الاعتداء الأول وكانت أيضًا بواسطة عبوة ناسفة"، لافتًا إلى أنّ "الاعتداء الثالث كان قبل أشهر من خلال استهداف منزله بطلق ناري أو ما يعرف عشائريًا بـ(الدكة)".
وفي 5 شباط/فبراير اغتيل القاضي أحمد خصاف، وتواصل "ألترا عراق"، مع عدّة مصادر في محكمة ميسان، لمعرفة تفاصيل العملية التي نفذت في مكان تنتشر فيه دوائر أمنية مهمة مليئة بالحرس والكاميرات، وذكر مصدر أمني على صلة بالتحقيقات لـ"ألترا عراق"، أنّ "اغتيال القاضي أحمد فيصل كان في يوم يعمل خفرًا فيه، أي يكون عمله بعد الساعة الخامسة مساءً تقريبًا وينتهي في الحادية عشر مساءً، ويقوم باستلام بعض الأوراق المتعلّقة بالحوادث التي تجري مساءً في منزله بعد هذا الوقت".
وجدول الخفارات كما هو معروف، تقوم بإعداده شعبة الموارد البشرية في المحكمة، ولا يعلم بجدول القضاة إلا إدارة المحكمة وضباط الخفر في مراكز الشرطة فقط، حتى أن حارس المحكمة لا يعرف من يكون قاضي الخفر لهذا اليوم، بحسب المصدر.
وعن تفاصيل عملية الاغتيال، قال إنّ "المسافة بين مكان الاغتيال والمحكمة حدود 200 متر، حيث جرت العملية مقابل بناية الكاتب العدلي، وعلى جانبه بناية المخابرات وخلية الصقور والاستخبارات، وعلى الجانب الآخر آليات الدفاع المدني، ومجاور المحكمة مديرية شرطة محافظة ميسان وخلفها هيئة النزاهة ومكافحة الإجرام والجريمة المنظمة والأمن الوطني".

وعلى مقربة من المكان نفسه، جرى اغتيال الناشط المدني المعروف في ميسان، أمجد الدهامات، في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بحسب أحد الناشطين، الذي يؤكد أنّ "المكان مزروع بكاميرات المراقبة والكتل الكونكريتية بالإضافة إلى الحرس أمام كل بناية".
وعملية اغتيال القاضي خصّاف تمّت بواسطة دراجة نارية تقل مسلحين اثنين، اقتربت من عجلة القاضي وأطلقت النار عليه ولاذت بالفرار، وفقًا للمصدر الأمني الذي لفت إلى وجود "سائق وحارس شخصي مع القاضي، حيث تبادل الحارس إطلاق النار مع المسلحين لكن لم يصيبهم ولاذوا بالفرار، دون أن يتدخل حرس المؤسسات الأمنية القريبة من الحادث".
وفي 7 شباط/فبراير، رصد مجلس القضاء "مكافأة مالية كبيرة لكل من يدلي بمعلومات تؤدي إلى كشف مرتكبي جريمة اغتيال القاضي أحمد فيصل خصاف".
وليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها استهداف للقضاة، ففي أيلول/سبتمبر نجا قاض آخر متخصص في قضايا المخدرات من محاولة اغتيال في محافظة ميسان.
ضبّاط شعبة مكافحة المخدرات
ترتبط شعبة مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بقسم مكافحة الإجرام التابع إلى قيادة شرطة محافظة ميسان، ويترأس القسم أحد الضبّاط الذي يدعى "ر.ح"، ويعرف أنه "قيادي في منظمة بدر وتم دمجه في السلك الأمني ومنحه رتبة عسكرية"، كما علم "ألترا عراق".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، كشف أحد المحامين في ميسان، عن مشاهدات رصدها خلال عمله وزياراته للقسم، قائلًا إنّ "المكان مليء بالضباط غير الأكاديميين، ويقوم الضباط بأساليب وحشية أثناء التحقيق، حيث يقومون بانتزاع الاعترافات بالتعذيب، وهناك تقارير طبية لدى الكثير من المحاميين تثبت تعرض عدد كبير من المتهمين إلى التعذيب"، لافتًا إلى أنه "في اليوم الذي فيه تحقيق داخل القسم يمنع فيه دخول المحامين".
وعن أحد الشهادات، يقول المحامي الذي رفض الكشف عن اسمه "خوفًا من التصفية"، إنّ "مسؤول التحقيق في شعبة مكافحة المخدرات والذي يعرف بمقدم ص.م، تتكون غرفته على شكل حرف L في جانب مخصص للأوراق والمكتب، والجانب الآخر فيه كراسي حيث يتم تجريد المتهم من ملابسه ويقومون بشد يديه إلى الخلف وعصب عينية ويتناوب خمسة منتسبين، عادة لا يرتدون سوى بنطال عسكري والجزء العلوي لأجسامهم يكون عاريًا، ويحملون كيبلات وتواثي ويقومون بضرب المتهم بكل قوة لانتزاع الاعترافات".
وتهربًا من منظمات حقوق الإنسان، يضيف المحامي أنه "خلال الفترة الأخيرة يقومون بربط المتهم على شكل فلقة ويكون الضرب على باطن القدم لأن هذه المنطقة لا تظهر فيها علامات تعذيب فضلًا عن التقارير الطبية".
يقول مصدر لـ"ألترا عراق" إنّ بعض الضباط في قسم مكافحة إجرام ميسان وشعبة مكافحة المخدرات يعملون بصفة سماسرة بين المحامين وأهالي المتهمين
ويستذكر أحد الضباط في مديرية شرطة محافظة ميسان حادثة تسبّبت بضجة في شعبة المخدرات والمؤثرات العقلية في ميسان عام 2018.
وعن تفاصيل الحادثة يروي الضابط أنّ "المدير السابق للشعبة والذي يدعى عميد حامد، كان يتقن اللغة الفارسية بطلاقة، وفي أحد الأيام تم إلقاء القبض على متهم إيراني بحوزته كمية من المخدرات خلال أحد الزيارات الدينية، وحكم عليه السجن سنة ونصف مع دفع غرامة 5 ملايين دينار"، موضحًا أنّ "مدير الشعبة (العميد ح.م)، تبرع بدفع الغرامة المالية عن المتهم الإيراني، الأمر الذي سبّب ضجة في ذلك الوقت".
ويشير الضابط إلى أنّ "مدير الشعبة المذكور تم نقله من منصبه عندما تولي القاضي أحمد فيصل خصاف منصبه في قضايا المخدرات، بالإضافة إلى ضباط آخرين معروفين بعدم نزاهتهم".
اقرأ/ي أيضًا: نائب: المخدرات أخطر من "داعش".. ومحافظ الديوانية: إيران مصدرها الأساسي
وكان مدير عام دائرة، المخدرات والمؤثرات العقلية، اللواء مازن القريشي، قد كشف عن خارطة انتشار المخدرات وتوزيعها في المحافظات الجنوبية، قائلاً إنّ "بعض التجار الإيرانيين يهربونها للعراق عبر محافظتي البصرة وميسان، حيث تدخل مادة الكريستال والحشيشة ومن ثم تنقل لباقي المحافظات".
وحول توّرط جهات سياسية، وأحزاب متنفذة في تجارة المخدرات، نفى القريشي تدخل أي جهة في عمل المديرية، قائلاً إنه "لم يحصل أن ألقينا القبض على شخص وجاء حزب أو جهة معينة للضغط لإطلاق سراحه، مبينًا "دخلنا على مناطق ساخنة وفيها كثافة سكانية، ولم يعترض أحد من السكان أو يعرقل عملية الضبط".
لكنّ المصدر الأمني يروي أنه "في نفس الشعبة عام 2017 ألقي القبض على متهم يدعى أبو فاطمة الزيداوي، وهو مسؤول المقاتلين التابعين لحركة الأوفياء في سوريا، حيث عثر في سيارته على كمية من مادة الكريستال المخدر، وبسبب الضغط والعلاقات الحزبية، تم تحويل التهمة إلى سائق الزيداوي ومحاكمته بتهمة نقل المخدرات وليس المتاجرة، والحكم على الناقل وفق القانون بين 5-7 سنوات".
ضابط بصفة سمسار
ويكشف مصدر رفيع في محكمة ميسان أنّ "بعض الضباط في قسم مكافحة الإجرام وشعبة مكافحة المخدرات يعملون بصفة سماسرة بين المحامين وأهالي المتهمين".
ويضيف المصدر في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "من الأسماء المعروفة في القسم هناك ضباط تحقيق أحدهم يدعى ملازم س.ر والآخر ملازم أول ع.ل يقومان ببيع الدعاوى القضائية للمحاميين ويجبران أهل المتهم على التعاقد مع محامين محددين ويحصلون على نسبة من أهالي المتهمين وكذلك من المحاميين".
ويشير المصدر إلى أنّ "بعض الضباط وعن طريق المحامي يتفقون مع أهل المتهم باستبدال المواد المخدرة المضبوطة مثل الكريستال بمادة الشب مقابل مبلغ متعارف عليه وهو 100 ألف دولار".
ولفت المصدر إلى أنّ "هؤلاء الضباط ومن يشبههم قام القاضي المغدور أحمد فيصل بنقلهم منذ تسنمه المنصب"، موضحًا أنّ "التغييرات التي أجراها في عمله خلقت له عداوات كثيرة".
وتحولت مدن جنوب العراق في السنوات الأخيرة إلى مراكز لتهريب المخدرات، وكثفت قوات الأمن عملياتها في المناطق المحاذية للحدود الإيرانية، حيث تعلن ضبط مخدرات وتوقيف مهربين بصورة شبه يومية.
وأعلنت مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية في كانون الأول/ديسمبر الماضي أنّ "محافظتي البصرة وميسان تعتبران الأوليين بالتهريب والتعاطي في المحافظات الجنوبية".
اقرأ/ي أيضًا:
إحصائية بعدد تجار المخدرات ومتعاطيها الذين ألقي القبض عليهم خلال عام ونصف
ثمن الإطاحة بالتجار مقتل ضبّاط.. هل يكافح العراق المخدرات وفق معادلة خاسرة؟
الكلمات المفتاحية

بعثة الناتو: عملنا سيستمر لأعوام بالعراق.. وندرب قواته على إغلاق الحدود مع سوريا
الاتفاق مع الحكومة العراقية على 32 هدفًا طويل الأمد لدعم مهمة الناتو في العراق