رأي

مَن يُفسد مَن؟

6 مارس 2020
GettyImages-1197608080.jpg
نزول المجتمع العراقي إلى الشارع هو لأجل ربح حياته ومستقبله (Getty)
قيس حسن
قيس حسن كاتب من العراق

سألت موظفًا حكوميًا كان يشغل رئاسة مؤسسة معنية بمكافحة الفساد، من يَفسد أولا؟ هل السلطة أم المجتمع؟ هل فساد السلطة هو نتيجة لفساد المجتمع أم العكس؟ ومن يبدأ الإصلاح؟ قال: الفساد يبدأ من السلطة ثم ينزل إلى المجتمع، وفي حال فشلت السلطة في الإصلاح، يضطر المجتمع إلى الضغط والتهديد، وفي حال انسداد أفق الحل قد يضطر إلى فعل شيء على الأرض، وقد يصل إلى الثورة، هذا يعني أن الفساد يصل في بعض المراحل إلى حد يضطر فيه المجتمع إلى التدخل المباشر.

فساد ثلاثة عناوين تعني انهيار كافة السدود أمام طوفان الفساد، هذه العناوين هي، المثقف ورجل الدين والقاضي

كانت سيرة حكام العراق هي سيرة نزاهة في التعامل مع المال العام، أمامنا " ثروات" العائلة المالكة، نوري السعيد، عبد الكريم قاسم، الإخوة عارف، أحمد حسن البكر، والتي لو جمعت كل أموالهم قد لا تزيد عن ربع ما يملكه مقاول من مقاولي الأحزاب اليوم، وهم مقاولون اثروا بسبب عقود الفساد ثراء فاحش، سيرة نظافة يد السلطة كانت هي الغالبة في الحقب الجمهورية والملكية، وبالمقابل، كان حجم الرشوة والتجاوز على المال العام من قبل الموظفين الحكوميين ضئيلًا جدًا، هذا يعني أنه حين تفسد السلطة تصل نيران فسادها إلى كل طبقات المجتمع، لا ينجو منه أحد، المثقف، ورجل الدين، والمقاول، وضابط الجيش والشرطة، الأستاذ الجامعي.. الخ، الكل معرضون لفيروس الفساد "أضرب المثل بالفيروس بسبب سيطرة فيروس كورونا على الأجواء والأخبار هذه الأيام"،  وأحسب أن فساد ثلاثة عناوين تعني انهيار كافة السدود أمام طوفان الفساد، هذه العناوين هي، المثقف ورجل الدين والقاضي، فساد هؤلاء أكثر خطرًا من فساد بقية العناوين "على خطورة فسادهم"، ففساد هؤلاء يفسد المستقبل ويفسد ضمائر الناس وعقولها، وفساد "الضمير والعقل" يعمي عن الحقيقة ويخفي طريقها، فيكون أثره على المجتمع أكبر، وخطورته أوسع، فيعاد إنتاج سلطة فاسدة مرات ومرات.

اقرأ/ي أيضًا: تقرير بريطاني عن "الفساد المحصّن" في العراق: السلطة تنهب المواطن والمستثمر!

النخب هي أكثر فئات المجتمع قدرة على التنكيل بوعي الناس وتضليلهم، وهذا غاية ما يريده الحاكم الفاسد، والذي لو أتيح له أن يختار من كل فئات المجتمع ثلاثة عناوين ليفسدها معه، فلن يختار سوى هؤلاء الثلاثة، كل هؤلاء سيفعلون شيئًا واحدًا وهو "جعل الحق باطلًا"، وهذه هي الظلامية والظلام والظلم، وماذا يريد الحاكم غير هذه النهاية لمجتمعه؟ هي نهاية مفجعة للمجتمع، ولكنها مثمرة ومنتجة بالنسبة للحاكم. إن فساد المجتمع يتناسب طرديًا مع فساد السلطة، كلما فسدت أكثر أفسدت أكثر، وإذا كان فساد السياسي ينتهي مع ولايته وقد يحاسب عليه ويقع تحت طائلة القانون، فمن يحاسب المثقف ورجل الدين والقاضي حين يفسدون؟ إنه المجتمع، فماذا لو فسد المجتمع؟ سنكون أمام لعبة أحجار الدومينو، سقوط متوقع، ومحسوب، وخراب لا حد لبشاعته.

ما فعل صدام حسين بالثقافة العراقية كان جريمة كبرى لا تقل خطورة من جرائمه الأخرى، فقد أطلق في جسد الثقافة العراقية كم هائل من أمراض الخضوع، والخنوع، وقسم طبقة المثقفين إلى فرق، المدجنون المدٌاحون، الهاربون بجلودهم، الصامتون المكتفون بالمراقبة والبكاء، هل هناك عنوان للمثقف في زمن صدام غير هذه العناوين؟ ماذا فعل المثقف في ذلك الوقت غير أنه أظل الناس، سمّم حياتهم، صفق للظلم والشر، وأشاعهما حتى أصبحا العنوان الأبرز للحياة.

وما يريده حكامنا اليوم من كل نخب المجتمع، الأدبية والفنية والقانونية والعلمية، هي أن تقسم إلى ثلاث فئات، تشبه فئات المثقفين العراقيين في زمن صدام. مداح، وصامت، وهارب.

السياسة انعكاس لأخلاق الحاكم وسلوكه، وحياة الحاكم وخاصة في مجتمعاتنا هي المثال الذي يحتذى أو مثلًا يضرب أو طريق يسلك، أنه يؤسس للمجتمع طريقًا وسلوكًا، هل يمكن أن يكون المثل العراقي الشهير - السمجة خايسة من راسها - دليل على ما للحاكم من أثر، وما لأخلاقه من تأثير، والغريب هو حجم "القناعة الشعبية" بهذا المثل والقبول به سواء من الفاسد أو من يعترض عليه، الأول يدعم به موقفه ويبرر فساده، والثاني يعزز قناعته بخطورة دور الحاكم، وكأنه دليل دامغ على أن فساد الحاكم ـ الرأس - لا بد أن يفسد المجتمع ـ الجسد -.

 قاطرة الفساد تبدأ من السلطة، ولنتصور لو أن العراق قاده رجل "أخلاقي" لا يفعل في السر ما يخشاه في العلن، ولا يجعل من القانون مطية لمآربه وغاياته الشخصية، لا يثري على حساب المال العام، لا يخاف من أحد قدر خوفه من القانون، ولا يفضل ابنه وقريبه ورفيقه في الحزب في المنصب، هذه مثالية سيقول البعض، لكن هل توصيف الفعل أهم من التأمل في أثره؟ فلتكن مثالية في الوصف لكنها "واقعية" من ناحية أثرها في المجتمع.

نزول المجتمع العراقي إلى الشارع هو لأجل ربح حياته ومستقبله، فلم تعد لديه وسيلة لمكافحة الفساد غير أن يعالجها بنفسه

ما يفعله المجتمع العراقي اليوم هو النزول الى الأرض من أجل ربح حياته ومستقبله، لم تعد لديه وسيلة لمكافحة آفة الفساد غير أن يحاول علاجها بنفسه. هل سينجح؟

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أبرز قصص الفساد.. كيف ضاعت 500 مليار دولار؟!

قلاعهم الحصينة

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert