مشاكل قانونية وفنية واعتراضات قطاعية.. ما مصير المجمعات السكنية حول مطار بغداد؟

ما أن بدأت المجمعات الاستثمارية السكنية والترفيهية تحيط بمطار بغداد، كانت الشبهات والاتهامات بالمقابل تحيط بدورها حول هذه المشاريع الاستثمارية ذاتها، في قصة بدأت منذ عامين  مع إعلان التوجه نحو إنشاء عاصمة إدارية جديدة تدعى "الرفيل".

خاطبت هيئة الاستثمار الوطنية جميع المجمعات السكنية الاستثمارية بإيقاف العمل بحسب تبليغ سلطة الطيران المدني

"الرفيل" وهو اسم لنهر قديم في بغداد، وتنسب التسمية لشخصية فارسية، أُعلن عنه بشكل مفاجئ في منتصف عام 2021، وأثيرت حوله الكثير من الاعتراضات والتحفظات، أبرزها أنها مخالفة للتصميم الأساس لمدينة بغداد الذي أقيم عام 2013، ويؤدي لتهجير والاستحواذ على أراضٍ زراعية تعود لـ300 ألف عائلة، في مناطق "أبو غريب والرضوانية"، وغيرها من مناطق حزام بغداد حول مطار بغداد، وهو ما أشعل المخاوف والتحذيرات والاعتراضات على تسببه بـ"تغيير ديموغرافي".

ولا ترتبط الاعتراضات على الجهات السياسية لهذه الأسباب "الديموغرافية" فحسب، بل هنالك اعتراضات فنية من قبل مختصين، تشير إلى أنّ المدينة والمشاريع التي تم بناؤها بالفعل في هذه المناطق حول مطار بغداد، مخالفة للتصميم الأساس لمحافظة بغداد 2013، فضلًا عن أنه لم يتم تخطيط المدينة أو إنشاء خرائط لمعرفة حدودها، خصوصًا وأنها تمتد على مساحة تقدر بـ400 كيلومتر مربع، فضلًا عن الاعتراضات على ما ستسببه المدينة من آثار بيئية وإزاحة الحزام الأخضر، والاختناقات المرورية على شارع مطار بغداد وحول المطار ذاته.

فضلًا عن هذه الاعتراضات، فإنّ المشروع لم يحصل على موافقة جميع الجهات القطاعية المعنية، من بينها أمانة بغداد وسلطة الطيران المدني، بحسب لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية.

وفور تسلم السوداني لمنصبه، خرجت مطالبات نيابية مختلفة بضرورة إيقاف بعض المشاريع حول مطار بغداد من بينها "جادة بغداد وملعب الغولف"، قبل أن يوجه السوداني بإيقاف منح الإجازات الاستثمارية كافة أو التصرف غير القانوني بالأراضي المحيطة بمطار بغداد، مؤكدًا أنّ "أي مشاريع يجري تنفيذها الآن أو مستقبلًا في هذه المنطقة، يجب أن تكون ضمن تصاميم حديثة تنطوي على الرؤية المستقبلية التي يجب أن تكون عليها العاصمة بغداد".

وأضاف "لا يمكن القبول بمنح الأراضي بشكلٍ مرتجل ومتسرع وبعيدًا عن دراسات الجدوى والغطاء القانوني"، موجهًا الجهات المعنية بـ"استمرار الاجتماعات لمتابعة ملف هذه الأراضي للوصول إلى الاستثمار الأمثل فيها بما يحقق المنفعة العامة".

وبعد هذه الرحلة الطويلة، خاطبت سلطة الطيران المدني هيئة الاستثمار الوطنية، بإيقاف العمل بالمشاريع الاستثمارية أو تغيير جنس الأراضي المحيطة بالمطارات، لحين توفير دراسة خاصة وأصدار الموافقات الأصولية من السلطة.

من جانبها، خاطبت هيئة الاستثمار الوطنية، جميع المجمعات السكنية الاستثمارية بإيقاف العمل بحسب تبليغ سلطة الطيران المدني، لحين الحصول على الموافقات، فيما حذرت المخالفين باتخاذ إجراءات قانونية، حيث تضمن التوجيه إيقاف العمل بـ21 مجمعًا سكنيًا استثماريًا، بحسبما أظهرت وثائق اطلع عليها "ألترا عراق".

هذا التحرك، دفع للتساؤل عن مصير هذه المجمعات السكنية، وعشرات البنايات وآلاف الوحدات السكنية التي تم إنجازها، أو التي لم تنجز بعد، ولكن آلاف المواطنين دفعوا أموالهم لشراء أو حجز وحداتهم السكنية فيها، وما إذا كانت سلطة الطيران المدني أو حتى دراسات هيئة الاستثمار وفق توجيه السوداني، ستوافق على المضي بهذه المشاريع، أم سيتم إيقافها نهائيًا، وما مصير الأموال التي تم إنفاقها على هذه المشاريع من قبل المستثمرين باستخدام أموال المواطنين وأصحاب الوحدات السكنية، وما مصير أموال المواطنين في النهاية.

قوانين دولية قد تلزم سلطة الطيران بالغاء المجمعات

وحول موقف سلطة الطيران والدافع من وراؤه يؤكد الاستشاري في مجال الطيران المهندس فارس الجواري، أنّ هذه الخطوة مدفوعة بقانون "الارتفاق الجوي".

ويقول الجواري لـ"ألترا عراق"، إنّ "قانون الارتفاق الجوي مفروض دوليًا حسب قانون منظمة الطيران المدني العالمية الإيكاو والمنصوص عليها في قانون سلطة الطيران المدني العراقي 148 لسنة 1974 في المواد 22-27 منه".

ويشير الجواري إلى أن "تشييد البنايات في الحدود القريبة من المطارات، يعتبر محظور وفق هذا القانون، لأنها تتعارض مع المتطلبات الأصلية أو الاستثنائية لعمليات الطيران، فعلى سبيل المثال ربما تحتاج طائرة ما لتنفيذ هبوط اضطراري لأي سبب كان، ما يوجب أن تكون هناك مساحات وفضائات ساشعة حول المطارات، فضلًا عن أن هناك أجهزة لا سلكية خاصة بالمراقبين الجويين للتواصل مع الطيارين في الطائرات الهابطة أو القالعة، ووجود المجمعات السكنية سيتسبب بتشويش على الأجهزة وتعيق التواصل بين المطار والطائرات".

وحول مصير هذه المجمعات، وما إذا كان توجيه سلطة الطيران المدني قد يكون مؤقتًا أو أنه سيتمسك بمنع إكمال هذه المشاريع، يرى الجواري أن "سلطة الطيران ستتمسك بموقفها وتمنع إكمال واستئناف هذه المشاريع كونها خطوة باتجاه تصحيح مسار عمل السلطة فيما يخص المطارات، لكن بشرط أن ينظر لها من وجهة تخصصية بعيدة عن فرض الإرادات".

حل وسط

من جانبه، لا يعتقد الباحث الاقتصادي نبيل التميمي إمكانية إلغاء أو ازاحة هذه المشاريع بناءً على المحددات الفنية، مرجحًا التوصل لحل وسط بشأن ذلك.

ويقول التميمي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الأمر عبارة عن قضية فنيّة تتعلق بسلامة الأجواء الخاصة بالمطار"، مشيرًا إلى "إمكانية التوصل لحل وسط يرضي جميع الأطراف".

ويكمن الحل الوسط، وفقًا للتميمي بـ"إمكانية الإبقاء على المجمعات كما هي، لكن وفق ارتفعات محددة للأبنية حيث أن هنالك محددات لارتفاع الأبنية ضمن حدود المطارات، ومن المرجح أن يتم فرض هذه الضوابط على المجمعات كافة مقابل الإبقاء عليها في أماكنها واستئناف أعمالها".