متى يموت الديكتاتور؟
28 أبريل 2023
سقط الديكتاتور بفعل خارجي من قبل قوات الاحتلال الأمريكي. وأدّى هذا الحدث التاريخي المدوّي إلى خراب الدولة العراقية، وانتقل الحكم على إثرها للفئات السياسية التي كانت في الخارج. وعن طريق الدستور الذي كتب بإشراف قوات الاحتلال سُمِحَ للعراقيين لأول مرة باختيار ممثليهم في السلطة التشريعية. ومنذ عقدين لم تستطع الديمقراطية أن تنفذ إلى رؤوس النخبة السياسية، بل لم تقنعها على الإطلاق فكرة الديمقراطية بالأصل.
الاحتفال السنوي بسقوط نظام صدام حسين ينطوي فقط على بعد واحد وهو البعد الطائفي
ويمكن صياغة العبارة بالنحو التالي: ديمقراطية جاءت بفعل خارجي وعن طريق احتلال عسكري، ونخبة سياسية لا تقيم وزنًا لكل ما يمت للأعراف الديمقراطية بصلة، لولا الفسحة التي يوفرها مفهوم الأغلبية، فاستثمر هذا المفهوم سياسيو السلطة لكونهم أغلبية مذهبية ويمكنهم أن يشكّلوا طبقة مهيمنة في "العراق الجديد".
واستنادًا إلى هذه الحقائق التاريخية، وأعني بالضبط عدم الاعتراف بالديمقراطية إلا من حيث كونها تصب في صالح الأغلبية المذهبية، اتضح من خلالها أن الاحتفال السنوي بسقوط الديكتاتور ينطوي فقط على بعد واحد، وهو البعد الطائفي.
الديكتاتور بوصفه شخصًا، الديكتاتور بوصفه هوية مذهبية. وهذا أمر طبيعي لنخبة سياسية لم تكن الديمقراطية من أولوياتها، بل ليس لها مشروع واضح المعالم لبناء الدولة وإشاعة روح الديمقراطية والحرية، بقدر ما كانت تشخصن الطغيان وتعطيه دلالة ليس بصفته قهرًا وإكراهًا ونفيًا للحرية، فبالتالي، أن مجمل الإدانات التي نسمعها بخصوص الديكتاتور، هي إدانات لا تعدو كونها إدانات تنطلق من خلفيات ما قبل ديمقراطية.
صدام حسين مجرم بحق، وقد أضاع بفجوره وطغيانه تاريخ البلد، وأدخلنا في حربين جنونيتين لم يكن لهما هدف واضح سوى مغامراته الصبيانية، ولا تسقط حماقاته السياسية بالتقادم بالتأكيد، وأي مقارنة بين أيام "الزمن الجميل"، كما يزعم محبو الدكتاتور، وبين اللحظة الراهنة، فهي تنطوي على أبعاد ليس بريئة تتوارى خلفها مصالح جماعية طائفية.
كذلك، لم يعبّر رفضنا (أو مقارنتنا) عن موقف سياسي واجتماعي عام، أي لم نعارض الديكتاتورية بوصفها ثقافة متأصلة، ولم تنطلق من أحساس عميق بقبح الطغيان ما يؤدي بالنتيجة إلى رفضه جملة وتفصيلًا. بل كانت "معارضتنا" تصطدم بأهواء هوياتية عنيفة. ليس صدام حسين شخصًا بقدر ما كان ثقافة متأصلة في المجتمع العراقي. لا يخرج الديكتاتور ما لم تكن ثمة تنشئة وتواطؤ اجتماعي وسياسي واسع النطاق ساهما، وإن بشكل غير مباشر، في تنصيب الديكتاتور.
الديكتاتور يتجلى على شكل قيم ثقافية ومواضعات اجتماعية، وسلوكيات سياسية تترجم نفسها بشكل جلي بين عموم المجتمع العراقي. لم يكن لمقولة الحرية حظًا في هذه الأرض، بل كانت الديكتاتورية ترشح من كل مسامات المجتمع. بمعنى آخر: لو لم يستحوذ صدام حسين على السلطة لشغل مكانه ديكتاتور آخر، هذه هي المسألة بالضبط! ولا يتفاضل العراقيون فيما بينهم، أيًا كانت توجهاتهم، بخصوص هذه المسألة؛ فسواء كان الحكام "سنيًا" أم "شيعيًا" سينتهي به المطاف لذات الإشكالية.
إن السلطة السياسية هي أحد التمثلات الثقافية للمجتمع. وسواء كانت النخب السياسية خارج العراق، في زمن البعث، أو داخله، فهي تمثل نبض الجماعة، وهذه الأخيرة لم تداعبها فكرة الحرية والديمقراطية ولو مرة واحدة في حياتها. إن الغنيمة السياسية هي العنوان الأبرز في قاموس الجماعات الطائفية. والدولة، الديمقراطية، الحرية، تلك المفاهيم لم تكن ضمن الأسئلة الأساسية في أدبيات جميع الأحزاب السياسية التي حكمت "العراق الجديد"، ولم تكن مطروحة للنقاش على الإطلاق.
ليس صدام حسين شخصًا بقدر ما كان ثقافة متأصلة في المجتمع العراقي
حتى لو تذرعنا بحقيقة العلاقة المتوترة بين الشعب والسلطة السياسية، لكنه توتر لا يلامس جوهر الموضوع، أي لم يكن توترًا نابعًا من هذه الأسئلة الأساسية، كل ما في الأمر أن هذه السلطة لم تلبّ نداء الطائفة بالشكل المرجو. لو كانت سلطة عادلة، بحسب المعيار الطائفي لا الديمقراطي، لكانت كل ذنوبها مُغتَفَرَة. "الحاكم" أما يكون ترجمة أمينة وحرفية لخطابنا الطائفي أو سيكون قبيحًا وهدفًا لكل معارضة سياسية. إن الجماعة ليست معنية بما ستفعله السلطة السياسية بخصومها الطائفيين حتى لو تم التنكيل بهم. لذلك قلما وجدنا اهتمامًا حقيقيًا بفكرة الدولة وبفكرة الحرية والديمقراطية والقوانين المدنية عند عموم "الناخبين".
إن الطقوس الشعبية هي الفعاليات السياسية والاجتماعية الأبرز في عراق ما بعد 2003 باستثناء فعاليات جادة وحقيقية تدافع عن فكرة الدولة المحايدة، لكنها فعاليات هامشية مقارنة بهذا المد الطائفي الكاسح الذي يتنكر لفكرة المؤسسة حد النفور ويمجد من فكرة الشخص حد التقديس والعبادة، وبصرف النظر عن طموحاتنا، نحن "الرومانسيين"، بدولة مؤسسات، وتعميق روح الديمقراطية والحرية، فالأعم الأغلب من العراقيين يحلمون بـ"حاكم" على مقاساتهم الطائفية، وسيكون هذا الحاكم ظالمًا متى ما كانت هويته المذهبية مغايرة لأشواقنا الطائفية، وبخلافه فثمة سيول من التبريرات، ما عليك سوى القول إن هذا الشخص لا يمثل جماعتنا فستكون في حلٍ من أي مساءلة أخلاقية.
إن السردية الطائفية تلعب دورًا في تحديد الخصائص الجوهرية لمعنى الظلم؛ فهذا الأخير ستتعرض دلالته للقلب والتأويل ما لم يحمل بصمتنا الطائفية العزيزة على قلوبنا. لأجل هذا يتمتع الدكتاتور بصفة الخلود. إنه الخيط الهادي والنسغ الذي يغذي خطابنا الثقافي، أنه حي لا يموت.
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات