كلمة لأحرار تشرين
27 أكتوبر 2020
الحقيقة التي لا يمكن لأحد تجاهلها، هي أن أغلب خصوماتنا نفسية وليست فكرية! ونادرًا ما نعثر على خصومة نبيلة ومثمرة. نحاول جهد الإمكان تسويق أزماتنا النفسية على شكل براهين علمية! ماهي النتيجة؟ النتيجة معاناة نفسية لا تطاق، كآبة وانقباض وشعور بالوحدة، والاعتياد على الألم النفسي. ليس هذا فحسب، بل تغدو تلك السموم النفسية عادة متأصلة وجزء من هويتنا الشخصية، ويصعب علينا مغادرتها، فندخل في أزمة طويلة الأمد، أسمها: افتعال خصومات وهمية لإرضاء أنانيتنا وتطمين كوابيسنا الذهنية المستمرة. وهذا ما نراه يحصل بالضبط في مواقع التواصل الاجتماعي؛ صراع بين الدين والعَلمانية، وتشويه سمعة الجيل الجديد بحجج واهية. وبالطبع من يسعى للتغيير ومهموم بمعاناة الناس، ستتصاغر أمام عينيه هذه المشاكل المفتعلة ولا يقع في فخ الأوهام.
كلما كانت الأقلية مُنظَمة عوضت عن حجمها؛ فالتنظيم يضفي صفات نوعية على الأفراد حتى لو كانوا أقلية
إن الطريقة المثلى للحد من هذه الخصومات الشخصية الفارغة من أي محتوى، هو التضامن فيما بيننا ضد سلطة الجهل والمعاناة؛ ذلك أنه لا أحد معصوم من هذه السلطة باستثناءات قليلة. قد يحلو لبعض الشباب الاعتراض على هذا الكلام لأنه ينطوي على مثالية عالية. ولا أدري ما هو الخيط الذي يفصل بين المثالية والواقعية؛ هل ما نشاهده في مواقع التواصل الاجتماعي يمثل المنطق الموضوعي والواقعي؟ فارق كبير بين النظر للواقع من خلال أزماتنا النفسية، وبين أن ننظر للواقع كما هو بكل تعقيداته وتحدياته. إن الرغبة والعاطفة في عداء دائم مع الحقيقة، وهذه الأخيرة لا تحظى بجمهور عريض كما تحظى سلطة الجهل والإثارة والعاطفة والحماس. ومؤكد من كان يمتلك المشروع الحقيقي لا ينجر لرغباته وحماسه الشخصي، لأنه، ببساطة شديدة، سيفقد الحاضنة الشعبية.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تفكر الجماعة؟
الإيثار ومحبة الناس والسعي للتقليل من معاناتهم هو أقدس عمل يمكن أن يتحلى به المرء. ومن يتحلى بهذه الصفات ستهوي إليه قلوب الناس ويحظى باحترامهم. ومن صفات الشخصيات القيادية هو الإيثار ومحبة الناس كصفات جوهرية في تفكير وسلوك القادة الحقيقيين. ومن الصعب جدًا تنشئة جيل على استفزاز الأجيال القديمة والتهكّم عليهم وتحقير منجزهم، لأننا سنقع في ذات المحذور الذي تهكمنا عليه. لا يمكن حمل مشعل التغيير من خلال التنمر على الآخرين، فهذه السلوكيات كفيلة بتدمير أي منجز، وتقودنا إلى نفور الناس منّا.
من المؤسف أن نضاعف من معاناتنا ومعاناة الآخرين إرضاء لرغباتنا الشخصية. ومن المؤسف كذلك إذا كررنا ذات الأدوات بمعزل عن التبصر بالأمور وأخذ العبرة. تكرار ذات الأدوات يعني تكرار ذات الأحداث! وهذا يعني الوقوع في فخ الدائرة المغلقة، ذلك أن التكرار بلا أحداث جديدة يعني يتساوى الماضي والحاضر، وسنكون أحد أسباب الانغلاق والتحجر، وسيقودنا هذا الفخ إلى الملل والفشل والانكسار.
كلما نضجت تجربة الجيل الجديد كانوا إلى قلوب الناس أقرب. حذار من التخوين والتسقيط. لأنها بضاعة رخيصة ستغطي على كل الخسائر البشرية. الحكمة تعني: الاستلهام من تجارب الحياة وليست من الرغبات الشخصية. مضاعفة عدد الخصوم لا يصب في صالح أحد. ومن الضروري أن لا ننسى أنفسنا في مواقع التواصل الاجتماعي ونترك أهدافنا النبيلة ورائنا وننشغل بقضايا هامشية مكرورة ومملة. وثمّة قضية بديهية أخرى: كلما كانت الأقلية مُنظَمة عوضت عن حجمها؛ فالتنظيم يضفي صفات نوعية على الأفراد حتى لو كانوا أقلية. فلا يمكن التبرؤ من السياسة ومن التنظيم ونطالب بالتغيير بذات الوقت!
أتمنى على بعض الشباب أن لا يستمعوا للأصوات النشاز. عمر النزق الصبياني قصير جدًا، وعمر الأفكار الخلاقة خالد ولا يموت! الإثارة لحظة عابرة تتساقط كما أوراق الخريف. لوكنا صادقين فيما ندعي فلنستمع لصوت الحكمة وليس لمنصات الفيسبوك! هذه المنصات تعمل لمجدها الشخصي على حساب لحظات الشباب النقية. حينما يتقادم الزمن وتتأصل العادات الذميمة، يصعب اقتلاعها! لا تذموا القطيع ثم تسقطوا في حبائله! لا تذموا التعصب الديني وأنتم تقتبسونه في أدبياتكم الفيسبوكية! من كان لكم معه خلاف، من أنصاركم، فالعقل هو الحكم، والحكمة هي البوصلة، وما عداها مهرجانات لتضخم الأنا.
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات