رأي

فيروس الديانة الشعبية القاتل

20 مارس 2020
GettyImages-1207591655.jpg
زوار كانوا ذاهبين للإمام الكاظم في بغداد بعد فرض حظر التجوال بسبب فيروس كورونا (Getty)
رعد أطياف
رعد أطياف كاتب من العراق

بعض المتدينين وبسرعة البرق اكتشفوا، أن مناشدة الزوار من تأجيل زيارة الإمام الكاظم في بغداد هي نظرة مادية! واكتشفوا أيضًا أنها علاقة روحية لا يجوز المساس بها. بمعنى أن توضيح خطورة العدوى والحث على تجنبّها مكيدة مادية يستثمرها الملحدون لضرب عقائد الناس. بينما توجد في التراث الديني أحاديث تحذر الاقتراب من المجذوم. وما تحفظه ذاكرتي هو حديث نبوي يقول "ابتعدوا عن المجذوم مسافة رمح".

 الديانة الشعبية تحاول فرض أساطيرها ولا معقوليتها ضد كل صوت عقلاني بحجة محاربة العقيدة

 لا أعرف ما هو الربط بين تجنب الآفات والتدخل بعقائد الناس. ما أعرفه أن الديانة الشعبية تحاول فرض أساطيرها ولا معقوليتها ضد كل صوت عقلاني بحجة محاربة العقيدة! وهذه الديانة لا تلتزم برأي الشريعة ولا بنصائح الفقهاء وفتاواهم، ولذلك يتعمدون العناد والتحدي بجهل فاق كل التوقعات.

اقرأ/ي أيضًا: الهوية والحرية

في السردية الشيعية الإمامية أن الأئمة الأ ثني عشر قضوا كلهم بالسم؛ لقد تقطع كبد الإمام الحسن أثر السم الذي دسته له جعدة بنت الأشعث، وهنالك رواية تذهب على أن النبي مات مسمومًا. شيء يدعو للمفارقة والدهشة حينما تجهد نفسك لتقنع الناس بالبديهيات! تقنعهم بتجنب الوباء. علمًا أن العراق كانت حصته من الأوبئة كبيرة جدًا. واليوم نكتب لنقنع بعض المتدينين ثمّة فيروس واسع الانتشار ولا علاقة له بالعقيدة، لا علاقة له بالإلحاد والدين، هذا وباء فتاك لا يميز بين المتدين والملحد، بين الشريف والوضيع. فالعاصفة حينما تهب لا تميز بين الحجر والشجر.

لقد هددت الأوبئة سير الحضارات البشرية، وتركت الإنسان يسارع الزمن لصياغة الأسئلة الكبرى للبشرية: إنها تستفز الشعور الأكبر في حياتنا، وهو الشعور بالوجود. لقد كانت هذه الأوبئة قوة غير منظورة تساهم في تهديد إمبراطوريات ضخمة، والتهمت الملايين في العالم.

في تقريره الذي نشره موقع "بيزنس إنسايدر" الأمريكي، نقلًا عن موقع الجزيرة، قال الكاتب رايدر كيمبول "إن تفشي الطاعون الدبلي وضع حدًا لفترة حكم إمبراطور بيزنطة في القرن السادس جستنيان الأول. وقتل هذا الوباء الذي يعرف في الوقت الراهن باسم "طاعون جستنيانما" بين 30 إلى 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت". ثم يذكر الأوبئة العالمية الفتاكة بالتسلسل: طاعون جستنيان (541 - 750م)، الموت الأسود (1347 - 1351م)، الجدري (القرنين 15 و17)، الكوليرا (1817 - 1823)، الإنفلونزا الإسبانية (1918 - 1919)، إنفلونزا هونع كونغ (1968 - 1970)، المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (2002 - 2003)، إنفلونزا الخنازير (2009 - 2010)، إيبولا (2014 - 2016).

لم تستثنِ هذه الأوبئة الخطيرة الجاهل والعالم أو الحضارات "المادية" أو "الروحية". والناجي بلعبة الموت هذه هو من يتخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

 طبقًا للمعلومات التي وثّقها مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء، فلقد كانت حصة العراق من هذه الأوبئة كبيرة جدًا، وتاريخه الوبائي خير دليل على ذلك، بل الكثير من العراقيين لا يجهلون هذا التاريخ المرعب. ودائمًا ما كان هذا التاريخ يسجّل عجزًا واضحًا في استيعاب الحالات المرضية وتفشل السلطات في احتواء الأزمة.

 لو تخلصنا من هذا الوباء الجديد، فمن الذي يمكنه تخليصنا من وباء الديانة الشعبية القاتل؟

 وفي القرن السابع عشر( الأعوام: 1619، 1635، 1638) اجتاح الطاعون بغداد واغتال وسبب بالكثير من الوفيات. وعاود الظهور في القرن الثامن عشر (الأعوام: 1718، 1737، 1739)، واجتاح النجف وبغداد والموصل، وكانت ضحاياه ألف إنسان في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: في العدمية السياسية

ثم عاود الظهور بشكل أكثر شراسة في القرن التاسع عشر( الأعوام: 1801، 1804، 1820) وكانت ضحاياه في البصرة سبعين ألفًا. وفي القرن العشرين اجتاحت الكوليرا المدن العراقية الأعوام: 1916 ،1917 حيث سقط في مدينة الموصل وحدها عشرة آلاف ضحية.

لو تخلصنا من هذا الوباء الجديد، فمن الذي يمكنه تخليصنا من وباء الديانة الشعبية القاتل؟ للأسف الشديد لازال هذا الوباء الفتاك يجتاح بعض العراقيين، ولم يتوفر بعد العقار اللازم للقضاء عليه، ويبدو أن هذا البلد قد وقع عقدًا مفتوحًا مع العدمية والموت.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شيعة العراق.. القبيلة والمذهب والسياسة

عن وثنيتنا المعاصرة

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert