رأي

عن وثنيتنا المعاصرة

29 فبراير 2020
ااااااااااااااا_0.jpg
التمثّل الكاذب والمزيف هو الوثن الذي يخضع له الكثير من الناس (فيسبوك)
رعد أطياف
رعد أطياف كاتب من العراق

من خلال تتبعي لما يدور في الحياة اليومية، من لقاءات وحوارات، سواء في الواقع الفعلي أو الافتراضي، أتلمّس وثنية مسكوت عنها! أي لا يميل الناس في البوح عنها. تتمثّل هذه الوثنية بنفي الآخرين من خلال وضعهم ضمن ثنائية الشيطنة والتقديس. إن الأشياء إمّا خير مطلق أو شر مطلق، ولا تقبل القسمة أكثر من ذلك.

الوثن المصنوع من التمر أيام الجاهلية أقل خطورة من أوثاننا المعاصرة، إنها تساهم في صنعنا كيفما تريد 

يبدو ذلك الوثن المصنوع من التمر أيام الجاهلية أقل خطورة من أوثاننا المعاصرة، ذلك إن هذا الوثن (التمري) سيتحول إلى وجبة طعام شهية حين الشعور بالجوع، غير أن أوثاننا المعاصرة تجعل منّا فرائس سهلة وشهية؛ إنها تأكلنا ولا نأكلها! وتساهم في صنعنا كيفما تريد وليس العكس، ويكون الآخرون، طبقًا لمعاييرها، ملائكة أو شياطين.

اقرأ/ي أيضًا: جدار الهويات وحرّاسه القدماء

أغلب الأفكار، حسب خبرتي الشخصية، تتحول إلى نوع من السجون،  ترى الآخر طبقًا لتمثّلها الخاص، بمعنى أنّها لا ترى الناس بشحمهم ولحمهم، ولا تراهم ضمن الوقائع العادية، بقدر ما تراهم طبقًا لتمثّلات الذهن المجحفة. ومن هنا نرى، مثلًا، أن الكثير من الأنظمة والأيديولوجيات، تتمثّل الآخر ليس كما هو، وإنما على شكل صورة مًخترَعَة لا تشبه وجودها الخارجي؛ لقّد تمثّل حزب البعث في العراق صورة المعارضين على شكل "حزب الدعوة" ليبرر قتلهم، واليوم تسلك أحزاب السلطة نفس المسلك، فيتحول المعارضون إلى "بعثيين".

هذا التمثّل الكاذب والمزيف هو الوثن الذي يخضع له الكثير من الناس، ويؤدون له سائر صنوف الطاعة والخضوع، سواء كانوا متدينين أم ملحدين، كل ما في الأمر تختفي الطقوس والعبادات من ديانة إلى أخرى! إن هذه العبادة تأبى أن تبوح بهويتها وتبقى عصية عن المكاشفة، لذلك يميل أغلبنا إلى تلبّس لبوس التحرر والتجرد من العبودية، وهم بهذا الأمر لا ينظرون إلّا لزاوية محددة وضيقة، ذلك أن الديانات الكبرى أضحت مألوفة ومعروفة للقاصي والداني وطغت بدورها على الشكل الآخر من  العبادات، وهي عبادة الذات وافتتانها بنفسها حد الربوبية، وأصبحت الوحيدة في مرمى سهامنا.

 كل الرغبات التي نعاني منها ولا تجد لها مكانًا في الواقع، هي ديانة من نوع خاص، لها أوثانها الخاصة، وأقوى وثن يصعب الفكاك منه في معظم الحالات، هو التمثّل كما قلنا: تمثّل العالم الخارجي مثلما نشتهي وليس الخارج كما هو. يأمرنا هذا الوثن أن نصغي إليه، أن نطالب بالتغيير، وأن نكون راديكاليين، لكن بدون ممارسة سياسية! أن نتكلم كما لو أن أحدنا في باريس أو لندن، لكن لا نريد وضع المقدمات اللازمة لتحقيق هذا الحلم.

ثمّة نكتة فريدة يتمتع بها هذا الوثن، وهي أن وظيفته وطقوسه العبادية التي يطلبها منّا، هو أن لا تكون تلك الرغبات ممكنة التحقق! ذلك أن ماهية هذا الوثن وبقائه وديمومته قائمة على هذه الطبيعة. بمعنى أن لحظة انكشاف حقيقة هذا الوثن ستتلاشى في لحظة المكاشفة، فبقائه مرهون بعطشنا وتوقنا الدائم إلى ما لا يتحقق. فالطقس اللازم لهذا الوثن أن نبقى نعطش، وأن نستمر في وضع الأشياء في خانة الشيطنة والتقديس لكي نضمن سلامة الوثن وقوته، كيف؟ أن نشيطن كلّ من يذكرنا بهذه الديانة الوثنية البائسة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الرهان المستحيل

المقاومة والسلطة.. معركة النفور المتبادل

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert