عندما تُسحب دولة عظمى إلى "الدكَة العشائرية"

من المعروف أن السلوك الأول للإنسان، غالبًا ما يعطي انطباعًا دائمًا عن ماهيته، ويمثل مفتاحًا لقراءة ردود أفعاله المستقبلية وطرق تعاطيه معها، ويبدو أن الساكن الجديد للبيت الأبيض دخل رغمًا عنه بقواعد اللعبة التي استُحدثت بعهد سلفه دونالد ترامب.

في التوتر الإيراني الأمريكي المستمر في العراق وفق صبغته المستقرة في سنوات ما بعد حرب داعش، تطغى سمة "المعارك العشائرية" المتمثلة بالثأثر والعشوائية

في المفاهيم العسكرية، تُحدّد الأهداف المرشحة للاستهداف، وفق ما سيحققه تدميرها من نتائج، فتضرب المنشآت والأسلحة الفتاكة ووسائل الدفاع أولًا، بطريقة تُنهك العدو تمهيدًا لإخضاعه وتقليل مصادر الخطر على الطرف الآخر، ويتواجد هذا التكتيك حتى في الحروب غير النظامية وحرب الشوارع. إلا أن في التوتر الإيراني الأمريكي المستمر في العراق وفق صبغته المستقرة في سنوات ما بعد حرب داعش، تطغى سمة "المعارك العشائرية" المتمثلة بالثأثر والعشوائية وضرب أي فرد من عشيرة الآخر في أي مكان ما، دون أهداف تفضي إلى قطع دابر الطرف الآخر واستئصال مسببات التهديد.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة بين طهران وأنقرة عقب سجال السفيرين في بغداد

يمكن وصف ما يجري من مناوشات بين الفصائل المسلحة والجانب الأمريكي في العراق، واتباع أسلوب الضربة بضربة بأنه يشابه مبدأ التعامل بالمثل في المفاهيم الدبلوماسية بين الدول، ويمكن إطلاق مصطلح لوصف مايجري بأنه "حرب دبلوماسية"، بالرغم من العشوائية التي تكتنف هذه المناوشات.

إن رحيل الجمهوري دونالد ترامب من البيت الأبيض ومجيء الديمقراطي جو بايدن، أشعل مناوشات بين ضفتين، على المستويات السياسية والشعبية في العراق، فهناك كتل مقربة من إيران تسابقت على تقديم التهاني بفوز بايدن، وجماهير امتعضت من خسارة ترامب لظنون تتعلق بإمكانية أن تلتقط إيران أنفاسها في العراق بعد غياب ترامب، لكن الضربة الأولى لبايدن التي طالت فصائل عراقية على الحدود العراقية السورية مؤخرًا على طريقة ترامب، دفعت الكتل السياسية المقرّبة من إيران لإدراك حقيقة "جليّة منذ البداية"، متمثلة بأن "القوات الأمريكية هي نفسها لن تتغير وأن تغيرت الإدارات في البيت الأبيض"، بحسب تعبير لكتلة الفتح في بيان أصدرته مؤخرًا تعليقًا على العملية الأخيرة.

وفي نفس الوقت أعطت هذه العملية أملًا للفئات المتحمسة لمشاهدة المزيد من "السلوكيات الترامبية" خلال الفترات القادمة، والتي تبيّن أنها لن تنتهي مع انتهاء الدورة الانتخابية للساكن السابق للبيت الأبيض.

ويتضح أن ترامب قد سنَّ سنَّة تُصعّب الأمور على من بعده، فبايدن أمام خيار الدخول بحرب الاستئصال وهو أمر مستبعد في الخطط الأمريكية القريبة مع إيران ووكلائها بحسب المعطيات، أو الاستغناء عن سياسة الضربة بضربة، التي ازدهرت على يد ترامب، وهنا ستُضعِف قوة الحكومة الأمريكية بإدارة بايدن وتضعه في حرج تلقي الصفعات "بصمت" من الفصائل المرتبطة بإيران في العراق، والتي ما زال يحاول بايدن ممارسة لعبة شد الحبل معها لسحبها تجاه تفعيل الاتفاق النووي قبل أي رفع محتمل للعقوبات.

اقرأ/ي أيضًا: 

إنذار بين صفوف القوات الأمريكية.. واشنطن تتأهب لهجمات في العراق

القصف المتبادل: واشنطن تحرج بغداد.. تصعيد إقليمي وتسوية محتملة