عام على الاحتجاجات العراقية.. ما هي ثمارها؟
1 أكتوبر 2020
مرت سنة على انطلاق الاحتجاجات بجولتها الأولى في 1 تشرين الأول/أكتوبر، والتي بدأت بأعداد قليلة حاولوا التظاهر في العاصمة بغداد، إلا أن رد فعل السلطات بـ"القمع المفرط" ساهم بالتحشيد للخروج إلى الساحات، فيما طوّقت السلطات المناطق في العاصمة بغداد، وبدأ التصعيد من داخلها، بينما حاولت أعداد كبيرة في الأيام التالية لليوم الأول من الوصول إلى ساحة التحرير، لكن القناص منعهم وحول شارع الجملة العصبية إلى ساحة "إعدام جماعي" كما يصفه محتجون.
يعتقد الأكاديمي ياسين البكري أن انتفاضة تشرين كانت فضاءً لإعادة إنتاج مفهوم الوطنية العراقية
بعد سنة من الاحتجاج يطرح الكثير أسئلة حول ثمار الاحتجاج مقارنة بمقتل المئات وإصابة الآلاف فضلًا عن تعطيل الحياة لأشهر، ويذهب نشطاء وبعض المراقبين لمناقشة هل كانت تشرين انتفاضة تأسيسية لبلورة موقف تجاه السلطة، وضمن هذا المسار نجحت في إعادة تفعيل شرائح عديدة كان لها موقف رئيسي في الاحتجاجات في تاريخ البلاد، مثل الطلبة والنقابات، أم هي محاولة لإحداث تغيير نوعي ملموس؟
اقرأ/ي أيضًا: عن انتفاضة تشرين في عامها الأول
يعتقد الأكاديمي ياسين البكري أن تظاهرات تشرين كانت فضاءً لإعادة إنتاج مفهوم الوطنية العراقية، وما زالت تعيد رصف المفاهيم الجامعة في مقابل ما تبنته القوى السياسية بعد 2003، وهي حققت تغييرات كثيرة.
ويقول البكري لـ"ألترا عراق"، إن "إعادة مهمة تشكيل الوعي ليست هامشية، أو بلا معنى، بل أن أي تغيير مستقبلي يبنى على تلك القاعدة، كما أن قبول قوى السلطة وخضوعها لإرادة قوى الاحتجاج بإقالة عبد المهدي تشكل علامة فارقة، والأهم هنا انقلاب جزء من قوى السلطة على متبنياتها وخطابها وبدأت باستخدام لغة ومفاهيم وخطاب المتظاهرين".
وحول التغييرات التي حصلت بعد انتفاضة تشرين، يرى البكري أن "من يحكم على التظاهرات على أنها لم تنقض النظام السابق وقلعه من جذوره، لم يفكر بمدى خطورة التحولات الجذرية بوصفها مغامرة غير قابلة للحساب المنطقي وتصفير غير مضمون في تحقيق استقرار أو إنتاج نظامًا جديدًا بلا صراعات ونزعات تدميرية"، مبينًا أن "القصة في التدرج وصفقات تعدل من جوهر النظام عبر لحظات متساوقة ومتراكمة تفرض بقاء قوى التظاهرات وزخمها كضاغط على قوى السلطة للتسليم تدريجيًا بشكل مختلف لنظام سياسي معبر عن عدالة واستقرار".
يتفق الناشط سلاح الحسيني مع البكري على أن "انتفاضة تشرين عززت لدى كل فرد مفهومًا جديدًا غير مألوف لحالة ما بعد الغزو الأمريكي، وهو ضرورة الشعور بالانتماء والبحث عن الهوية وسط كثافة الهويات الفرعية التي أخذت تؤدلج المجتمع وتسوقه نحو قالب الطائفة والحزب".
ويعتقد الحسيني أن "انتفاضة تشرين برزت من خلالها الحاجة إلى إعادة النظر بالسائد السياسي الذي رسخته السلطة بما ينسجم مع حاجتها الحزبية لذلك كان شعار (نريد وطن) مختزلًا كما لو أنه قد خضع لعملية تحرير صحفية على يد محترف".
وحول العوامل التي ساعدت على احتجاجات تشرين يقول الحسيني إن "كل التراكمات التي تكدست بسبب فشل النظام السياسي ساهمت بولادة تشرين لتكون صالة الترفيه النفسي للتعبير عن الغضب والامتعاض من الأداء الفاشل لمنظومة الأحزاب الحاكمة، وكانت مطالبها خارطة طريق نحو إعادة هيكلة الدولة والشروع بخلق نموذج جديد بالرغم من المصدات والتسويف، إلا أن السلطة لا تملك ترف الخيار".
وأشار الحسيني إلى أنه "ليس أمام السلطة سوى الإذعان والقبول بما تهتف به حناجر الشباب، لسنا مبالغين ونعي حجم الخطر والتعقيد، ولسنا حالمين كما يتنمر علينا البعض من جمهور السلطة ويطاردنا حتى بأحلامنا، ونعرف جيدًا أن الخارطة تحتاج لوقت ليس بالقصير لتكون منطقية وتأخذ حيزًا للشعور بالتغيير"، معتبرًا أن انتفاضة تشرين أفرزت "مذهبًا فلسفيًا ثوريًا مختصًا بعلوم الاحتجاج، ولهذا كانت عرضة للتسقيط من قبل من يشعر بخطر الإزاحة فما بعد تشرين ليس كما قبلها، من خلال إحداثه انقلابًا في الوعي السياسي بعدما كان محتكرًا بالوعي الحزبي العقائدي الذي يشبه إلى حد ما المدونة الدينية كما لو كانت طقسًا شعائريًا لا بد من ممارسته لإسقاط الواجب، فكان الذي يفكر خارج إطار هذه السردية يكون مشبوهًا، ولهذا كانت شعارات تشرين متعطشة للهوية الوطنية".
وأشار الحسيني إلى أن "أحداث تشرين أسقطت قناع الخوف المتمثل بحدث الاحتجاج الذي كان محصورًا بالحزب وجمهوره، فتشرين انبثقت كحالة فردية عفوية رسخت من وجودها عبر فهم المعطيات التي توجب التظاهر ورفض السلطة الفاسدة، وكشفت زيف الادعاء الذي يقول لن تكون هناك ثورة احتجاجية ما لم يكن لها زعيم ديني أو سياسي وهو ما ثبت في ساحة التحرير بعدما قمعها بالتوثية لأنها غدت غير مؤطرة صدريًا".
ويؤشر الحسيني إلى عوامل رسختها احتجاجات تشرين:
- المشاركة النسوية الفعالة التي توحي بحالة التمدن بعد عسكرة المجتمع نتيجة الحروب والرعب وتقييد المرأة باكراهات عقائدية متطرفة فضلًا عن تنامي شعور المواطنة الباحثة عن هوية حقيقية بعيدًا الأخريات الفرعية، ولم نعهد ذلك منذ ما قبل وصول حزب البعث للحكم.
- كل التظاهرات السابقة كان محتواها صراع حزبي يبحث عن نصر سياسي لتكبير حصص الكعكة غير مكترث بجذر المشكلة الأساسية التي تتعلق ببنية النظام المحاصصاتي الذي يفرز فشلًا متراكمًا بتعاقب الحكومات، ولذلك كانت انعطافة تشرين سياقًا جديدًا أدى إلى إسقاط حكومة عبد المهدي، وهو ما لم يكن أن يحدث من سقوط صدام، فضلًا عن فرض حالة القبول والرفض غير الواردة في هذا النظام لكل المرشحين بعد عبد المهدي.
- رسمت ملمحًا كان قد غاب طويلًا عن الحضور في المشهد السياسي، وهو الدور الطلابي والنقابات والاتحادات لتشكل نقطة التحول البارزة في صنع القرار والتأثير حتى وإن كانت تواجه معوقات كبيرة حاولت السلطة وضعها لتغييب الدورالمهم لها.
- إعادة النظر بمجالس المحافظات وصدور قرار آنذاك بالغاءها وصار المتظاهر مراقبًا للدور الذي تلعبه هذه المجالس وتقييم أداءها لحين البت بإزاحتها تمامًا.
اقرأ/ي أيضًا:
انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة
استذكار للضحايا ووعود بالعودة.. ناشطون يحيون الذكرى السنوية لانتفاضة تشرين
الكلمات المفتاحية

بعثة الناتو: عملنا سيستمر لأعوام بالعراق.. وندرب قواته على إغلاق الحدود مع سوريا
الاتفاق مع الحكومة العراقية على 32 هدفًا طويل الأمد لدعم مهمة الناتو في العراق

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات