طوفان الأقصى وسقوط أسطورة الكيان المنيع
21 نوفمبر 2023
الحقيقة التي يمكن الاتفاق عليها أن الشعوب المستعمرة حازت استقلالها بالمقاومة؛ إينما وجد الاستعمار وجدت المقاومة. الاحتلال الفرنسي البغيض للجزائر لم يخرج إلا بفعل المقاومة. الاجتياح العسكري الأمريكي لفيتنام لم يتراجع لولا عمليات المقاومة التي أوجعت الجيش الأمريكي وكبدته خسائر هائلة بالأرواح والمعدات. يمكن سرد العديد من الأمثلة لكننا نكتفي بهذين المثالين.
لقد عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد وعادت معها المقاومة الفلسطينية كطرف مفاوض
ونؤكد، كذلك، أن نيل الاستقلال لا يعني الاستعداء الأبدي، لكلا المُستَعمِر، والمٌستَعمَر، فبعد الانتهاء من علميات التحرير يمكن للبلدين أن يستأنفا علاقتهم الدبلوماسية مهما طالت مدة الاستعداء، مثلما حدث للجزائر، وفيتنام؛ فكلاهما يتمتعان بعلاقات دوبلوماسية مع البلدين المحتلين سابقًا، رغم التوترات التي تشوب العلاقات، بين الحين والآخر، بين فرنسا والجزائر، مثلًا، بسبب تاريخ الاحتلال.
أما من يحدد الجدوى والإشكاليات المترتبة على فعل المقاومة، فبكل تأكيد ليست الفئات المستفيدة من وجود القوة المستعمرة. على سبيل المثال، قررت النخب العراقية أن تواصل العملية السياسية في ظل الاحتلال الأمريكي، نظرًا لطبيعة هذه القوى المعارضة لحكم البعث، والمنطق السياسي المتحكم في تلك المرحلة، وعدم الجدوى من خلق تحديات جديدة في ظل حقبة سياسية اتسمت بحالة من الرضا سادت بين أوساط العراقيين فرحًا بسقوط نظام البعث، فإنّ الشعور العام كان "مُرَحِبًا" بالوجود العسكري. وبالرغم من ذلك ثمة قوة مقاوِمة، شيعية وسنية، اخترقت حالة الرضا تلك وقررت مقاومة الاحتلال الامريكي، إلّا أن الأمور في نهاية المطاف لم تخرج من المعادلة التالية: قوة خارجية مهيمنة تتحكم بالمشهد السياسي العراقي حتى وإن تراجع وجودها العسكري.
ولكي نتجنب المساجلات "المنطقية" حول مفهوم الاستعمار، لا نقصد هنا الهيمنة الثقافية، فهي قوة مهيمنة تشبه القدر، نظرًا لسيادة المناهج الأكاديمية، والمفاهيم الأساسية، والتقدم التكنولوجي الهائل الذي يحمل بصمة الحضارة الغربية بامتياز، ذلك أنه، وبحسب المؤرخ وليام هاردي ماكنيل، " على الرغم من انحلال الإمبراطوريات الأوروبية منذ عام 1945، وخسوف الدول القومية المنفصلة في أوروبا كمراكز للسلطة السياسية من خلال اندماج الشعوب والأمم تحت رعاية كل من الحكومتين الأمريكية والروسية، إلا أنه ما يزال صحيحًا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسارع التدافع لتقليد العلوم والتكنولوجيا المناسبة والجوانب الأخرى للثقافة الغربية بشكل هائل في جميع أنحاء العالم. وهكذا تزامن خلع أوروبا الغربية عن سيطرتها القصيرة على الكرة الأرضية مع (وكان سببه) تغريب سريع غير مسبوق لجميع شعوب الأرض".
على أي حال، ومهما جادلنا عن مستويات الاستعمار وتصوراتنا المختلفة عنه، لكن تبقى حقيقة جوهرية، وهي لا شيء يعادل هذا الحدث التاريخي: أن يتم اقتلاعك من أرضك ويتم التعامل معك بوصفك كائن غريب عن هذه الأرض، ويجري تهجيرك وتشريدك في كل بقاع العالم، ومن ثم تتحول إلى كائن خاسر، وهذا الأخير تتساوى لديه الحياة والموت، مثلما يحدث الآن في غزة، فالشعور بالخسران أمر خطير للغاية، يحيلك إلى كائن انتحاري بامتياز ليس لديك شيء لتخسره، يمكنك أن تنفجر في كل لحظة، وتتحول إلى طوفان يحرق الأخضر واليابس، وهذا ما حدث في طوفان الأقصى. لكن حذار من أن يفهم على أنه ردة فعل متسرعة، أو فوضى عسكرية غير مأمونة العواقب، مثلما يميل البعض إلى هذه الحسابات التبسيطية.
انطلقت الكثير من الأصوات لتعبر عن آرائها في معركة طوفان الأقصى وعن الفوائد المترتبة عن هذه المعركة الوحشية التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء. والسؤال التبسيطي المطروح: هل ستحرر فلسطين بهذه العملية؟ كل الأطراف الفلسطينية ابتداء من قوى المقاومة، ووصولًا لنخبها السياسية، ونهاية بجماهيرها الشعبية، تعلم تمام العلم، أن تحرير فلسطين - في الوقت الراهن على الأقل- يقترب من المعجزة، فهذه الحقيقة التاريخية المؤقتة واضحة للقاصي والداني، لكن يصر الكثير على تكرار هذه الحقيقة وجعلها مبررًا "نقديًا" وربطها بالأحداث الأخيرة، كما لو أن عملية طوفان الأقصى تسعى لتحرير التراب الفلسطيني في هذه المعركة في الوقت الحاضر.
مؤكد أن الهدف بعيد المدى لكل انتفاضة فلسطينية لا يتعدى هذا الهدف النبيل: تحرير التراب الفلسطيني (من الاستعمار الغربي؟!). وربما نسينا صفقة تبادل الأسرى، وهي لم تحدث بسبب "الروح المسالمة" وإنما بفعل القوة فحسب، و التي تم بواسطتها استبدال جندي إسرائيلي واحد (جلعاط شاليط/ 20011)، مقابل الإفراج عن 1027 أسير في سجون الاحتلال. ولا يخفى أن هذه الصفقة تعدّ إحدى أضخم عمليات تبادل الأسرى العربية الإسرائيلية، وكانت مميزة لأن الفلسطينيين استطاعوا الحفاظ على الجندي الإسرائيلي أسيرًا لنحو خمس سنوات رغم خوض إسرائيل حربين على قطاع غزة. كما أنها تعد "الصفقة الأولى في تاريخ القضية الفلسطينية التي تمت عملية الأسر ومكان الاحتجاز والتفاوض داخل أرض فلسطين".
ولا ننسى أيضًا وفي خضم الزخم الذي تحظى به أجندة المقاومة ومنها على سبيل التحديد، أن تسعى جاهدة لان تحجز لها مقعدًا تفاوضيًا ضاغطًا، وهم قريبون جدًا من هذه العتبة، وللأسف الشديد ربما غابت هذه الفكرة عن الكثير ممّن لا يتفقون مع الأحداث الأخيرة، أعني بها تحرير الأسرى الفلسطينين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي والذين يصل عددهم من 6-7 آلاف أسير. وهؤلاء لا يتم إطلاق صراحهم إلا بمنطق القوة. لقد عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، وعادت معها المقاومة الفلسطينية كطرف مفاوض، كما أن إسرائيل ليست في أفضل حالاتها دوليًا.
الهدف بعيد المدى لكل انتفاضة فلسطينية لا يتعدى هذا الهدف النبيل: تحرير التراب الفلسطيني
أياً كانت درجة الإقناع لماذكرناه توًا، لكن تبقى صفقة الأسرى هي أحد المهمات الرئيسية، على ما أظن، للمفاوضات القادمة، رغم أن الثمن لم يكن بخسًا على الإطلاق. أنه ثمن موجع للفلسطينيين (وكان موجعًا لكل الشعوب التي رفضت الاحتلال)، وموجع للإسرائيلين، حيث يقبع 250 أسيرًا إسرائيليًا في مكان مجهول وفي قبضة المقاومة، التي لم يعد أمامها سوى حيازة شروط القوة التفاوضية، وعلى الجانب الآخر ثمّة أسطورة تمرغت في التراب؛ أسطورة الجيش الذي لا يقهر، أسطورة المؤسسة الأمنية الأفضل في العالم، أسطورة الحدود التي لا تُختَرَق.. هذه الحقائق أضحت جسرًا سيعبر عليه الفلسطينيون لاحقًا، لأنهم أحدثوا ثغرة لا يمكن ردمها على الإطلاق: ثغرة "الكيان المنيع".
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات