
بين المدن الغريبة والمخيفة تعبر عصافيرنا هاربة
يصف كتاب الشاعر حسين البندر "غرق غير مؤكد" رحلة لجوء الكاتب إلى أوروبا عبر بحر إيجة مرورًا بالعديد من الدول. رحلة تروي حياة الشاب الطموح وهو يتحطم كبنيان هش، في بلد هزاته الأرضية عبوات ناسفة وسيارات مفخخة وانفجارات

كما تنفخين بفمِ غريقٍ
أيّتُها الشّجَرة/ يا بنتَ الطبيعة/ وأُمّ النّباتات/ الخَريفُ الذي جاءَ من نافذتي/ كانَ أليفًا/ لا يعرفُ العَواصِف/ أيّتُها الغيمةُ/ يا أنثى المطر/ الغريبُ الذي بلّلتهُ أمطارُكِ/ صار رصيفًا/ من بعد ما كان غصنًا يافعًا/ في شجرةِ البيت

لطخة حبر
اكتبْ لها/ وانتظر عصافيرها/ تحت غصنٍ هشّ/ اكتبْ/ عن النِّساء/ وتزوج سريرًا واحدًا/ اكتبْ/ عن وطن/ واترك الحقائبَ في المنفى/ اكتبْ لمن تحب/ لمن تكره/ بوسعِ الكتابة/ أنْ تحرِّرَ عصفورًا من قفصٍ/ إلى شجرةٍ في الغابة

كانَ قلبي
الطّفلُ/ الذي يبكي طَوال اللَّيل/ ولا أحدَ يعرف عِلَّتَهُ/ كانَ.. قلبي. القَميصُ الأَبيض/ ذلك المنسيُّ على حبلِ الغسيل/ مُبلَّلا بالذكريات/ خيَّطَهُ أبي بشيبته وغسلتهُ أمي بدمعتها/ قد لطختهُ الغربة/ بقلوبٍ سوداءَ/ كانَ.. قلبي

فشلٌ في تلوين وجه الغربة
عندما هاجرنا الوطن/ تركنا أبوابَ بيوتنا الحزينة مُشرعةً/ ليس لأننا سنعود إليها/ في يومٍ ما/ لكن قلوبنا بوداعِ أُمّهاتِنا/ سقطتْ كالحجارة،/ فجعلتْ الأبواب مُواربة/ كل هذه السنين/* /العالمُ/ رِقعةُ شطرنج/ ونحن الغُرباء/ مربعاتُهُ السود

نهايةٌ أخرى
الماءُ يعرفُ كل شيءٍ/ فلا تضعوا حاجزاً في الخرائط/ بين النهرِ و"سبايكر"/ كان النهرُ أبانا/ فرافقنا العطش/ نحن قليلون جدًا/ فليس بوسعنا/ أن نغيّرَ طقسًا قادمًا/ او نقنعَ اللهَ برحمةٍ أخيرة/ هذا الخلاص/ ليس لنا/ نحن لدينا نهايةٌ أخرى/ غير هذا الجحيم

المرآة تنظر بعينيكَ
تَخَيّلْ/ لهثةَ عمرِكَ تحت الشّمس/ وأنتَ تصطادُ قبلةً خجولةً/ من فوقِ حائطٍ مُنهك/ أو تترك يديكَ/ تتلمسان الخفايا التي دسّها اللهُ/ في جسدِ امرأة/ دَعْ عينيكَ مطفأتينِ في المرآة/ واقتربْ لجسدِكَ/ تلمسْهُ/ وكأنّكَ دنُوْتَ من أولِ جرحٍ فيك

الشّطرة
الشّطرة/ جسرٌ خشبيٌّ محدودبُ الظهرِ/ تعبرُهُ فتاةٌ/ تتركُ ضفيرتَها السوداءَ/ وتمضي،/ شابٌ يتركُ رقمَ هاتفِهِ/ ويمضي،/ جُنديٌّ يتركُ بسطارهُ/ ويمضي./ الشّطرة/ بابٌ مُطَرَّزٌ بالحِنَّاء/ والرَّايات/ والحِرز/ يُفتحُ للغُرباءِ ولأبناءِ القُرى/ ويغلقُ بوج

الحياة ترتدي ثوبَ الحشرات
ليس ورقًا/ هذا الذي ترسمين فيه الحقائبَ/ والمواعيد/ إنّهُ وجهي/ بملامحِهِ الحزينةِ/ يقفُ كباصِ مدرسةٍ قديمةٍ/ في قريةٍ كَبُرَ صغارها/ ليس خاتمًا/ هذا الذي يتكورُ بإصبَعِكِ/ إنّه قِرطٌ عتيقٌ في أُذنِ أُمّي/ صهرَهُ الحصار/ فأصبح خاتمًا

رسائل يرفُضها بريدكِ
أنا في مدينة/ لا تفهم في الحب كثيرًا/ إنّها تصحو على أصواتِ البقالين/ وتنامُ على أنينِ غرابٍ معطوب/ مدينة/ مصابة بالربو/ مُذْ أولِ حربٍ/ وهي تنقِلُ عمرَها/ من قنينة أوكسجين/ إلى أخرى/ فكيف تـأمرين قصائدي/ أن ترافقَكِ لحفلةٍ تَنَكُّريّة؟