رأي

زمن "الحجي"!

9 أغسطس 2019
عبد المهدي_6.jpg
سياسيو العراق يذهبون كل سنة للحج بينما هناك من العراقيين يبحثون عن الطعام في النفايات (فيسبوك)
سمير داود حنوش
سمير داود حنوش كاتب عراقي

عندما كنا صغارًا تعلو وجوهنا البراءة وسنين الطفولة كانت تمرّ أمام مسامعنا مسميات "الحجي" بين أخوالنا وعمومتنا ونفر من عشيرتنا، كانوا ينادون بـ"الحجي" احترامًا لشيبته، كنا نلوذ بهم عندما نرتكب خطأً ما، نجالسهم ونسمع منهم أحاديث الزُهد والتعبد والتقوى. كان بعضهم يقّص علينا قصص الطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمرات، كنا نستمتع بهذه الأحاديث ونتوضأ بأدعيتهم، ونتمنى لو كنا معهم فنفوز فوزًا عظيما، وكم من مرة خشينا من دعوة لا تُرد لهم لكل من تسوّل له نفسه العصيان والعبث، متوسلين بهم أن يمنحونا بركة الدعاء الذي لا ترده السموات.

بِتنا نرى المسؤول الفاسد يطلقون عليه لقب "الحجي". وهو لم يحرك أي ساكن وهو ينظر إلى مشاهد الفقر وهو ينهش بقايا أجساد الفقراء

وكبرنا وكبُرت معنا مسميات "الحجي"، وبدأنا نُدرك معاني هذه الكلمة، وازداد أعداد الحجاج، واختلط علينا الحابل بالنابل، فلم نعد نفرق بين الحجي الذي توضأ بماء زمزم وتمرّغ أنفه وهو ساجد في أرض الكعبة، وبين من تنقل بين "أجساد العاهرات" فأصبح الجميع نسميهم بـ"الحجي"، وضاعت علينا البوصلة في هذا الزمن الرديء، فلم نعد نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بين من يسهر الليل في التسبيح والصلاة، وبين جليس صالات القمار ومرتادي النوادي، فكل منهم صار "حجي"، وما زاد في الزمن رداءةً وخسةً، أننا بِتنا نرى المسؤول الفاسد يطلقون عليه لقب "الحجي". لم يحرك أي ساكن حين يرى مشاهد الفقر، وهو ينهش بقايا أجساد الفقراء في لوحات مأساوية تصورها وسائل الإعلام. ولم يذرف هذا الحجي دمعةً واحدة وهو يرى عراقيون، وهم يبحثون بين النفايات عن طعام لهم ولعوائلهم.

اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي ينتشي بالإطاحة بـ"حجي حمزة".. من هو "ملك" القمار والدعارة؟

لا غرابة اليوم في العراق، فكلُ شيء متوقع وأصبحنا نصدق من لا صدق له، وأصبح الفاسد واللص والقاتل نَصِفهُ بكلمة تم تدنيسها وانتهاكها وضاع علينا الميزان. هي مسمى لطالما احترمناه ووهبناه كل معاني الاحترام والتبجيل وخاطبنا بها كل شخص مسن، حتى وإن كان مجهولًا تسقط اليوم هذه الكلمة، ويا للأسف في براثن التدنيس منزوعة التقدير، ولتصبح قلادة على صدور السُراق والفاسدين وأصحاب صالات القمار.

كنتُ اتمنى من المجتمع وعقلاء القوم أن يجدوا كلمة بديلة عن كلمة "الحجي" يصفون بها من يستحقها، أما اللصوص والسراق والفاسدين وأصحاب صالات القمار والدعارة، فدعوهم يسمون أنفسهم بـ"الحجي"، فتلك مُزحة أو نكتة سوداء يهزأ بها أصحابها من أنفسهم قبل أن يهزأ بهم المجتمع فالزمن الرديء يجمع ما حوله كل ما هو منحط.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الاتجار بالبشر في العراق.. تورّط مسؤولين في الدعارة وسرقة الأعضاء

قائمة "العار" تلاحق العراق بسبب العبودية وتجارة الجنس

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert