رأي

درسُ فيروز

23 أكتوبر 2021
photo_٢٠٢١-١٠-٢٣_١٠-٤٨-٥٦.jpg
عن تغني فيروز ببغداد (Getty)
سعدون محسن ضمد
سعدون محسن ضمد إعلامي وباحث في الأنثروبولوجيا

من منكم لم يسمع أغنية فيروز عن بغداد، ولم تطربه كلماتها؟ بالذات التي تقول فيها:

بغداد هل مجدٌ ورائعة ما كان منك إليهما سفرُ؟

أيام أنت الفتح ملعبه أنّا يحط جناحه المطرُ

حسنٌ، كم منكم شَعَر بأن هذه الأغنية ليست مكرَّسة للتغني ببغداد وحدها أو بالعراق فقط؟

في الحقيقة الأغنية مكوّنة من 12 بيتًا، نصفها تمامًا خالص للتغني بفيروز ثم ببيروت وعبرهما بلبنان. كاتب الأغنية كتبها على طريقة المتنبي عندما يريد أن يمدح أحدًا، فهو يمدح ذاته أولًا وبالذات، ثم يمدح الآخر ثانيًا وبالعرض في عمليَّة تأكيد للنديَّة لا تخفى على الممدوح من أجل ألا يعتقد أنَّ المتنبي مجرد لاحس قصاع. وهذا يا سادتي أكثر أساليب حماية الكرامة قوّة ووضوحًا.

أغنية فيروز تُقدّم درسًا في الكبرياء، وعبر الكبرياء هي تقدم درسًا بالوطنية، هي تقول لك: أبدًا لا تفرّط خلال دعمك أحدًا ما – سعيًا وراء هدف سامٍ أو مراعاة لمشترك يجمعكما – بكبريائك ووطنيّتك، لأنك عندها ستتحول من داعم ند، يُقدم خدمة إلى شريك ولا ينتظر ثمنًا. إلى تابع ذليل يؤدي خدمة لسيّد وينتظر أجرًا. 

هنا أنت لست داعمًا، أبدًا. بل مجرد لاعق قصاع ولاقط فتات موائد.

استمع إلى فيروز، في الأغنية ذاتها، ثم قل لي بمن كانت تتغنى وهي تقول؟

أنا جئت من لبنان من وطن.. إن لاعبته الريح تنكسرُ

صيفًا ولون الثلج حمّلني.. وأرق ما يندى به الزهرُ

يا من يواجدني وينكرني.. حذرًا وإن طريقنا الحذرُ

بيني وبينك ليس من عتب.. حُييّت تُنكرني وتعتذرُ

أنا لوعة الشعراء غربتهم.. وشجي ما نظموا وما نثرواُ

أنا حب أهل الأرض يزرعني.. وترٌ هنا ويسيل بي وترُ

هي هنا تتغنّى بلبنان ثمّ بذاتها، بل هي تستغرق بذلك نصف الأغنية كاملاً، ثم لاحظ يا صديقي أن الضمير (أنا) ورد في الأغنية ثلاث مرات، بنفس عدد المرات التي ورد بها اسم بغداد، قد تكون مصادفة، لكنها مصادفة جاءت بها كبرياء الشاعر وحرصه على أن يكون تَغَنّيه ببغداد مناصفة مع تغنيه بذاته وعبرها ببلده، وليس متجاوزًا عليهما أو مفرّطًا بهما. هو يريد أن يقول: جئتكم لأقدم دعمي، لا لأبيعكم كرامتي.

لكن مهلاً، لماذا لم يكرر الشاعر اسم بيروت أو لبنان بدلًا عن تكرار الضمير (أنا)؟ في ظني أن هذا هو الدرس، أقصد أن التأكيد على الوطنيّة لا يتم إلا عبر تأكيد الذات بالكبرياء. إذ الوطنية تتأسس على الكبرياء، ومن لا كبرياء له لا يمكن أن يكون وطنيًّا. أنت تُجلُّ وطنك لأنك تُجلُّ ذاتك، وإجلال الذات هو وقود الكبرياء. ولهذا السبب فلا يمكن لأحد أن يبيع وطنه ويعود من صفقة البيع محتفظًا بكبريائه. نعم هناك استثناءات من هذه القاعدة، تلك التي تتعلق بمن لا يميّز الحدود التي يجب أن تفصل بين الدعم والعمالة. لكنها استثناءات قليلة جدًا، فالعمالة لا تخفى إلا على مُغفّل أو ساذج.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

على الطريقة السامريَّة

خطيئة الابتهال

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert