رأي

النظام السياسي.. آذان صماء عن جذور الأزمات

29 September 2021
453966Image1_0.jpg
لن تنفع القبضة الاستبدادية في إسكات الناس (فيسبوك)
أحمد سعداوي
أحمد سعداوي كاتب وروائي من العراق

تعاملت القوى السياسية العراقية المتنفّذة مع أحداث تشرين 2019 على أنها مشكلة بحاجة الى حلّ، وتجاهلت عن عمد أن هذه الأحداث هي أعراض ونواتج فرعية لمشكلة عميقة من شقّين، الأول؛ يخصّ النظام السياسي وقدرته على تمثيل مطالب الناس ومطامحهم. والثاني يتعلّق بقدرة النظام السياسي على استيعاب التنوّع الفكري والسياسي في المجتمع.

أقطاب النظام السياسي في العراق لم يرغبوا بمواجهة المشكلة الحقيقية في أحداث تشرين 2019 وجعلوا الشباب المتظاهر هو المشكلة

في الشقّ الأول فإن استشراء الفساد والتخمة في التوظيف الحكومي، وتراجع أسعار النفط، وسيطرة الأحزاب والمليشيات على سوق العمل الحرّ، وتزايد أعداد خريجي الجامعات وفئات أخرى من الشباب من دون خطّة واضحة لاستيعابهم، وتراجع الخدمات وضعف إمكانيات الجهاز الإداري للدولة والحكومة على مواكبة هذه التحديات زايدت من النقمة الشعبية، والشعور العام بانفصال النظام السياسي عن هموم الناس.

وفي الشقّ الثاني؛ فإن القوى السياسية تجاهلت مناسبات سابقة على أحداث تشرين كانت قد دقّت ناقوس الخطر من وقت مبكّر، لعل من أبرزها؛ تهليل الناس وفرحهم لنتائج "صولة الفرسان" في البصرة، في آذار 2008. فلم يكن الأمر وقتها انحيازًا إلى حزب الدعوة الحاكم، بقدر ما هو نفور من سطوة المليشيات على الحياة اليومية بكلّ تفاصيلها.

اقرأ/ي أيضًا: تشرين.. تنظيمات فتيّة وجمهور مثالي

ثم جاءت نتائج انتخابات 2010 لتتفاجأ الأحزاب الاسلامية المهيمنة في الجنوب العراقي أن الناس صوّتوا لصالح قائمة علمانية يقودها سياسي قومي، بدأ حياته السياسية بين صفوف حزب البعث البائد. وظلت المحطات تتوالى تلك التي يعبّر فيها المجتمع العراقي عن ضيقه من الأحادية السياسية التي فرضتها أحزاب الإسلام السياسي، وكتم الصوت المدني والعلماني الموجود في هذا المجتمع، لعل من آخرها أن الناخبين صوّتوا مرّة أخرى في انتخابات 2018 لقائمة نصف إسلامية وفيها خليط من الشيوعيين والعلمانيين، فجعلوا قائمة "سائرون" الفائز الأول في الانتخابات، ثم لم ينته عام 2018 إلا مع تظاهرات عارمة كانت بؤرتها في مدينة البصرة التي تحمّلت الضغط الأكبر للتشدد الإسلامي وهيمنة المليشيات، لتقوم الجموع الغاضبة بإحراق القنصلية الإيرانية وتهتف ضد النفوذ الإيراني الداعم للأحزاب والمليشيات الحاكمة.

كان أحداث تشرين 2019 ضمن هذا المسار، ومحطّة متقدمة ليس إلا في أزمة فهم مستعصية عند أقطاب النظام السياسي، الذين لم يرغبوا بمواجهة المشكلة، وجعلوا الشباب المتظاهر هو المشكلة، وصار هدفهم تصفية هؤلاء الشباب وتفريق جمعهم، بالقتل والتشريد والاختطاف والتغييب والتهديد.

إن التحدّي الأكبر الذي فرضته تظاهرات تشرين يتمثل باستعادة ثقة الناس بالنظام السياسي، بعد هذا الإعلان الساطع الذي عرضته التظاهرات عن الرفض والرغبة بإزاحة النظام كله، والذي لخّصه شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".

وبدل أن يقوم النظام السياسي بإجراءات من شأنها أن تعزز هذه الثقة، فإنه تجاهل عن عمد رغبة أهالي الضحايا بالعدالة، وسوّف في ملفات التحقيق، التي أغلق الكثير منها دون إلقاء القبض على المتهّمين، وظل السلوك الذي انتهجه النظام في إسكات معارضيه من الشباب مستمرًا، وكانت ذروته في أيار الماضي مع اغتيال الناشط البارز إيهاب الوزني، ثم الاطمئنان إلى تعب المتظاهرين وضعف قدرتهم على التحشيد لتظاهرات مشابهة لتظاهرات تشرين، وكأن ذلك هو نهاية المشكلة.

كان من مصلحة النظام أن يستدرج معارضيه للخروج من ساحات التظاهر إلى أروقة العمل السياسي، وليس إلى المنافي أو القبور، وأن يتاح للصوت المدني والعلماني أن يعبّر عن نفسه من دون خوف أو خشية من سلاح المليشيات، فهذا سيجلب جمهورًا أكبر لتأييد العملية السياسية، أما اليوم، فلا يبدو أن نسبة المقاطعين ستقلّ قياسًا بنسبتهم عشية انتخابات 2018. وظل النظام السياسي يناور على المشكلة الأصلية ولا يريد مواجهتها، ويفعل في سبيل ذلك أشياء مضحكة، مثل إغراء الناس بمبالغ مالية لقاء تسلمهم لبطاقاتهم الانتخابية، أو اعتماد نسبة المشاركة في الانتخابات من بين من استخرجوا بطاقات انتخابية، وليس من مجموع المؤهلين للتصويت من أبناء الشعب العراقي، وهو إجراء سخيف يهدف إلى رفع شكلي لنسبة المشاركين قياسًا بالممتنعين عن التصويت.

لن تنفع القبضة الاستبدادية في إسكات الناس، أو منعهم من التعبير عن رفضهم لتجربة سياسية فاشلة فاقمت من الشعور باليأس والغضب والإحباط

إن مجتمعًا شغّل الأغاني الراقصة في أجهزة التسجيل في الشوارع عشية انقشاع أكثر من 40 مليشيا كانت رابضة على أنفاس البصرة في 2008 قادرٌ على تكرار إعلانات الرفض لهذا للنظام السياسي الفاسد والمختنق بفشله، مرّة بعد أخرى، ولن تنفع القبضة الاستبدادية في إسكات الناس، أو منعهم من التعبير عن رفضهم لتجربة سياسية فاشلة فاقمت من الشعور باليأس والغضب والإحباط.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مقاطعة الانتخابات.. دفاعُ عن جوهر الديمقراطية

طريق البرلمان.. رحلة المرشحين إلى الفردوس السعيد

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert