رأي

"المثقَّف السنّي".. تغييب أم تَغَيُّب؟

6 ديسمبر 2021
GettyImages-1138510951_1.jpg
المعارضة الشعبية يُبلورها المثقّف النقدي (فيسبوك)
سعدون محسن ضمد
سعدون محسن ضمد إعلامي وباحث في الأنثروبولوجيا

مفهوم المثقَّف معقَّد جدًا، شأن كل المفاهيم، ويتعقَّد أكثر عندما يرتبط بالنقد، فينتج عندنا مفهوم المثقّف النقدي، وهذا الأخير أكثر تعقيدًا من سابقه. بالنسبة للكثيرين، فإن النقد علامة تحرر العقل وكسره القيود. وعلامة التحرر لا تتشكّل من انتقاد الآخر، لأن انتقاد الآخر يأتينا عبر التلقين الذي نتلقنه صغارًا. العقائد والأيديولوجيات ومن ثمّ الهويات، تتشكل عبر وضع الحدود ما بينها وبين الآخرين، وهذه الحدود هي في الحقيقة الصفات والأفكار والطبائع المذمومة عند الآخرين. وهذا يعني أن ثقافتنا تُغَذّينا، عبر التلقين، عمليات نقد الآخرين. إذًا، فنقد الآخر لا يُعبر عن حرية العقل، بل نقد الذات وحده الذي يكشف عن الحرية وتكسير قيود العقل.

قبل أيام جمعتني مع مجموعة من الأصدقاء جلسة نقاش حول التغييب المتعمَّد للمعارضة السياسيّة في العراق، وكان الحديث يدور حول المعارضة داخل مجلس النواب، وكيف يتجنب جميع الساسة والكيانات هذه المعارضة حفاظًا على مغانم السلطة. وهذا النقاش ذكّرني بالمعارضة الشعبيَّة التي هي الأخرى معارضة سياسية، لكنها معارضة يُبلورها المثقّف النقدي، وليس السياسي، وتكون قاعدتها كل الناس وليس جماهير السياسي بالضرورة. السياسي ينتقد أداء السلطة، أما المثقّف فمساحة نقده أوسع وأكثر غنى. وهنا تأتي أهميَّة المثقف النقدي الحر القادر على نقد ذاته الاجتماعية وهويته الثقافية. وهذا المثقف إذا غاب في بيئتنا التي تغيب داخلها المعارضة البرلمانية، فهذا يعني أن هذه البيئة في سبيلها لأن تُغيَّب ويتم السيطرة عليها وقمعها بشكل كامل. فالمثقف النقدي هو الدرع الأخير الذي يحمي الناس من التنكيل والتغييب والقمع.

طيب ما مناسبة هذا الحديث؟ مناسبته عندي، هو ما استشعره منذ سنين من غياب للمثقف السنّي المتخصص والبارع بالكشف عن مناطق الخلل داخل بيئة المكون السني العراقية. لدينا مثقّفون سنَّة وهم نقديون لكنهم يشاركون المثقف الشيعي بانتقاد البيئة الشيعيّة التي يبرع هو بانتقادها ومعرفة مناطق الخلل فيها، وربما يشاركون المثقف الكردستاني بانتقاد بيئته التي يبرع هو بانتقادها، لكنهم لا يقدمون شيئًا مهمًَّا على صعيد انتقاد بيئتهم والكشف عن مناطق الخلل فيها، ولذلك لا نعرف الكثير عنها في الحقيقة، بالمقابل البيئة الشيعية مكشوف عنها تمامًا، لأن المثقف الشيعي يجلدها منذ أكثر من خمسة عشر سنة، والبيئة الكردستانية إلى حد ما، ومع الأخذ بنظر الاعتبار مشكلة اللغة، أيضًا معروف، وهنا يطيب لي الاستشهاد بتجربة الصحفي المهم سامان نوح، وجهوده في نقد البيئة الكردية ونقل معاناتها للمتابع العربي، ومع أنه يعيش داخل سلطة قمعية، إلا أنه يكتب وباستمرار باللغة العربية عن حجم المعاناة التي يعانيها المواطن الكردستاني، ما يجعله أمينًا في أداء دوره بالنسبة لثقافته وبيئته، وما يجعله حرًّا بنظري ونظر الكثيرين.

أنا هنا لا اصنّف المثقّف تصنيفًا طائفيًا أو قوميًَّا، لأن المثقف النقدي، كائن لا منتمي، وهو يفقد صفته النقدية بمجرد الانتماء. وكذلك أنا لا أمارس نحوًا من أنحاء الجلد للمثقف السنّي، لكنني ادعو إلى تحريك ساكنٌ طال سكونه، حدَّ أن تحول إلى ظاهرة غريبة ومؤلمة، فالواقع السنّي مُتعب جدًا، جرائم كثيرة حصلت وتحصل في هذا الواقع، وهذه الجرائم لم يرتكبها المسؤول الشيعي ولا السياسي الشيعي وحدهما، بالتالي نحن بحاجة لممارسة نقدية يقوم بها المثقف السني في تعرية الساسة والمسؤولين السنّة والكشف عن الجرائم التي ارتكبوها بحق العراق عمومًا وبحق مكونهم بشكل خاص، من أجل أن تكتمل الصورة وينكشف كل الزيف، وليس جزءًا منه فقط.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المثقف العراقي.. من الاستبداد إلى الاحتلال الأمريكي

جدلية المثقف والجمهور

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert