رأي

العراق وجيرانه.. لعبة "جر الحبل" في ملعب الطاقة

22 يوليو 2020
a4308fe7f8eae92de2519d58cc3bbc6c.jpg
الإدارة العراقية عاجزة عن تطوير قطاع الكهرباء (فيسبوك)
زيا وليد
زيا وليد كاتب وصحفي من العراق

كثيرةٌ هي الملفات التي تتشابك وتتقاطع بين إيران والسعودية في العراق فضلًا عن المنطقة، وملف الطاقة ليس آخرها رغم أهميته المكتسبة من الفائدة الإيرانية من عمليات التصدير، والنقص العراقي في التجهيز، والرغبة الأمريكية ـ الخليجية بقطع أحد مصادر التمويل التي تتنفس منها طهران المحاصَرة بفعل العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران.

تدرك إيران الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه العراق والتحديات الداخلية التي تواجه نظامه المهلهل والممقوت من السواد الشعبي الأعظم

ومن المعلوم، أن أحد أذرع الأوكسجين الموصول بطهران مرتبطٌ بتمديد استثناء الولايات المتحدة الأمريكية المستمر للعراق من العقوبات المفروضة على الدول المتعاملة مع إيران، وتوِّجت أهمية الموضوع حين أعلن وزير خارجية أمريكا بومبيو تمديد الاستثناء أربعة أشهر إضافية بعد ساعات من تصويت البرلمان العراقي على الكاظمي رئيسًا للوزراء.

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي يطلب من طهران الكفّ عن التدخل في شؤون العراق

وبغض النظر عن غايات الولايات المتحدة، فأن الكف عن تمديد الاستثناء للعراق في استيراد المشتقات النفطية (28 مليون متر مكعب من الغاز) المستخدمة في توليد الكهرباء، و1440 ميغا واط من الطاقة الإيرانية، سيؤدي إلى مشكلات حقيقية في التجهيز ما ينعكس على الأوضاع في الشارع الغاضب اتجاه الحكومة، خاصةً وأن الخدمةَ مترديةٌ مع الاستثناء، فما بالك بغيره؟

تكمن المشكلة "منطقيًا" في البديل. وذكرنا سابقًا أن الحجة المحلية هي عدم توفر الإمكانية الداخلية لسد حاجة البلاد من الطاقة الكهربائية، كما أن الإدارة العراقية عاجزة عن تطوير القطاع واجتراح البديل لناحية شبكات التوليد والنقل والتوزيع الضعيفة والبالية، وكذلك توفير الغاز المستخدم في إنتاج الطاقة بدل استيراده، مع وجود إشكاليات حقيقية حول الاتفاقيات مع شركتي سيمنز الألمانية وجنرال إلكترك الأمريكية، إضافة إلى معضلة الفساد والعقود المشبوهة.

من هنا، طُرح البديل، وبدعمٍ أمريكيٍ مباشر وصريح، عبر مشروع ربط العراق بمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يَحل المشكلة المنطقية وفق حسابات جامدة؛ لكنه على أرض الواقع، غير ما هو على الورق.

وعلى الرغم من أن الهدف الجلي هو زيادة الضغط على إيران بسحب جزء من تمويل العراق لها، إلا أن المشروع يحمل ـ بوصفه مشروعًا سياسيًا بالأساس ـ أبعادًا أخرى تمر عبر مشاريع اقتصادية وتجارية أكثر لتصل إلى أهداف سياسية واجتماعية وأمنية.

بطبيعة الحال، تدرك إيران الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه العراق والتحديات الداخلية التي تواجه نظامه المهلهل والممقوت من السواد الشعبي الأعظم، ولا شك أنها تسعى للإبقاء على النظام ومنع إسقاطه، فمن أفضل لها منه ؟ ـ ووفق هذه المعطيات سيكون من المصلحة الإيرانية إنقاذ الاقتصاد العراقي الذي تستفيد بدورها منه، والخيارُ المُتاح الأقرب هو الدول الخليجية، وبالتالي فلا ضير من دخول مجلس التعاون وعلى رأسه السعودية لضخ الدماء للعراق عبر الاستثمارات وما شابه.

سيبقى على الحكومة العراقية ومن خلفها الأحزاب المتنفذة مسؤولية صنع التوازن في سفينتها

لكنها معادلةٌ معقدةٌ. فالسعي السعودي يُراد به الفوز بالسوق (الجنوبية خاصةً) ووضع الأقدام على الحدود واستقطاب المجتمع نحو المحور المعادي لإيران، والأخيرة تُدرك ذلك، وهي بين خيار السماح للتنفس الاصطناعي أن يحيي العراق، أو اختناقه والموت المحتمل للنظام الذي تتغلغل فيه وتنتفع منه.

اقرأ/ي أيضًا: خامنئي للكاظمي: قتلوا سليماني في منزلكم.. سنوجه ضربة إلى أمريكا

هذا ـ باختصار مخلٍ ـ ما يضع العُقد في المعادلة التي تبدو غير مفهومة مع صراع "الزيارة أولًا" الذي اختلف وجهه بسبب مرض العاهل السعودي. لكن ضوءًا في الأفق يظهر في لعبة "جر الحبل" الحالية، وستكون المَهمة جسيمة على الكاظمي في منع الحبل من الانقطاع عبر إرخاء أذرع الطرفين. وكيف يجري ذلك؟

ليس ملف الطاقة بالقليل، ولعل استباق ظريف لزيارة الكاظمي ـ التي أُجلت ـ للسعودية، واستقبال الأخير من قِبل وزير الطاقة الإيراني، وأحاديثٌ سابقة عن "تحذير" إيراني لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي من الربط الكهربائي، دلائل مفيدة هنا. ومع ذلك، فأن الوضع الإيراني بحاجة إلى الانفتاح بهدف تخفيف حدة التضييق عليها في المحيط العربي على الأقل، وحديث الناطق باسم حكومة طهران من بغداد كان واضحًا حول رغبتهم بالتعاون مع السعودية مع عدم التدخل الأجنبي، وقد رمى ـ بالحرف ـ الكرة في ملعب المملكة.

وقد تكون الاتفاقية الإيرانية مع الصين وما يتحدث عنه مسؤولون إيرانيون من عائدات مادية كبيرة، عاملًا آخر يُساهم في "إرخاء الحبل" من جهة الشرق، حيث يُسمح للمملكة بالدخول شرط ألّا يكون مؤذيًا، وهو "سماح إجباري" أُسه الظروف الجديدة، وسيبقى على الحكومة العراقية ومن خلفها الأحزاب المتنفذة مسؤولية صنع التوازن في سفينتها مع الأخذ بعين الاعتبار الصراع الصفري الذي فصلّنا فيه سابقًا، ورغبة ابن سلمان بالانتصارات السريعة، وهو ما سنتناوله قريبًا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الكاظمي وتصفير العدّاد.. مقاربات وملفات واحتمالات

بعد الكثير من التكهنات.. زيارة الكاظمي إلى السعودية تتعثّر

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert