رأي

العراق ما بعد كورونا.. وباء السلاح وغياب الدولة

16 أبريل 2020
GettyImages-1210095893.jpg
علمنا فيروس كورونا بالحاجة للدولة في العراق (Getty)
سلام الحسيني
سلام الحسيني كاتب وصحافي من العراق

وضع فيروس كورونا العالم على المحك، وأدخله في مسابقة اختبار الذكاء السياسي والاقتصادي في تجاوز الأزمة بأقل الخسائر التي تترتب حاليًا، وفي المستقبل القريب إن صح الوصف والتعبير. دول وحكومات تتسابق على كيفية إنتاج العلاج للجائحة قبل الهاوية وتتسارع بالرؤى الإستراتيجية العلمية والاقتصادية الرصينة التي تضمن بقاء السوق والعملة والحفاظ على إنسانهم من الانهيار والضياع، وهذا الاهتمام يأتي من نماذج سياسية صحيحة مقتدرة تُدير هذه البلدان بالرغم من ضخامتها الاقتصادية والصحية، إلا أنها تعيش القلق على أوجه لتضع الحلول بدل الحل الواحد والاختناق به.

الانشغال في العراق كان بوباء التكليف والصراع على الوزارات والرئاسات التي تتوزع على أساسها الحصص بحسب الجدول الطائفي

في نموذجنا العراقي، الانطباع مختلف كما لو كان خارج الإطار الكوني، فهو منشغل بوباء التكليف والصراع على الوزارات والرئاسات التي تتوزع على أساسها الحصص بحسب الجدول الطائفي. يقدم لنا خيارات لا تنتهي، إلا عند الوجوه ذاتها التي ساهمت بصناعة هذا النموذج السياسي الفاشل. العالم يتضامن للخلاص، بينما نحن نتضامن، لكن ليس للخلاص، بل للتنافس على هوية "السلة الغذائية" لأي طائفة أو حزب تعود، وهكذا نحن منشغلون بمعرفة هوية السلة في بلد من أغنى بلدان الأرض، والحال كذلك نتيجة غياب الدولة وتضخم السلطة، سلطة الأحزاب والطوائف.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا العراق: أزمات الاقتصاد وحلول "حافة الهاوية"

يقول الألماني جوزيف جوبلز مهندس ماكينة الدعاية الألمانية لمصلحة النازية وأدولف هتلر (أكذب أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس) ويبدو أن هناك من لا يزال يحمل الشعار نفسه، ويظن أنه أذكى من جميع الناس، فيروج لهم ما يحبون أن يستمعوا إليه من حديث، حتى وإن حدث بعدها ما هو عكس ذلك تمامًا. وقد بقي قول جوبلز راسخًا كتجربة مهمة عن مدى تأثير الكذب بالناس في الأزمات الكبرى وقدرة استغلالها للدعاية الحزبية أو الحملات الطائفية.

وفي ظل ذلك لم يعد الأمر مثيرًا للدهشة حينما تجد أن الجماعات الحزبية هي التي تتكفل بالتخفيف من وطأة الأزمة بالنسبة للفقراء وأصحاب الدخل المحدود المتضرر الأكبر جراء تفشي الفيروس، وفرض الحظر الإلزامي بعيدًا عن الحكومة التي من المفترض أن تكون هي المتصدي لتوفير البدائل للمتضررين ما يشي بالعجز الكبير، والفشل الذي تعانيه الحكومة أو لنقل النظام بمجمله من فرض نفسه كنموذج يخفف من تغول الحزب والسلطة على هوية الدولة، وبالمناسبة هي ذات السلطة التي باركت تكليف الكاظمي مؤخرًا، المتهم من قبلها بالوشاية بقادتها (المهندس ـ سليماني) المكلف الذي وعد بتشكيل حكومة توازن سياسي، والمقصود بذلك تغيير المفردة في الخطاب المكرور الملل، الذي خبرته الناس ولا يختلف ذلك من حيث المضمون عن جذر المشكلة، وهو التحاصص الذي يغذي النظام السياسي منذ غزو العراق 2003.

ما كان ينتظره العراقيون في خطاب الكاظمي هو البديل المقنع أو الخطة أو البرنامج السياسي الذي يقدم جوابًا شافيًا للأسئلة الكثيرة القابعة على أعتاب الخضراء حول مفهوم الدولة والخطط الاقتصادية التي تنهي العجز، وتواجه وحش البطالة وتضع حلًا للسلاح المنفلت، وهو السلاح الذي توافق على تكليفه، لكنه لم يلفتنا إلى جديد مختلف عن سابقيه حتى نعقد الآمال على عصاه السحرية. يتصور زعماء النظام في بلدنا أن محاولة استيعاب الشارع بالتوظيف حلاً، لكنها ليست كذلك، بقدر ما هي مشكلة كبيرة ستفتح فمها قريبًا لتبتلع الجميع، خصوصًا بعد اتجاه العالم للاعتماد على الطاقة البديلة، كبدائل اقتصادية متنوعة في ظل انحسار الاقتصاد العراقي على مورد النفط فقط بحسب قراءات خبراء الاقتصاد والمال. التوظيف العشوائي جائحة راقدة ستفيق قريبًا، حالما تعجز السلطة عن توزيع الرواتب للموظفين عصب السوق، وكل ذلك يأتي بفعل سياسة الاحتواء التي تنتهجها للتغطية عن الفشل السياسي في تقديم الخدمات، فضلًا عن توفير بيئة للقطاع الخاص يعتمدها المواطن.

ما بعد جائحة كورونا ليس كما قبلها، هذا ينطبق على كل جوانب الحياة، على مستوى الدول، وعلى مستوى الأفراد، فكل شيء اليوم، يحتاج إلى إعادة نظر، وإعادة تصور، فالدول والأفراد إذا ما كانت لديهم سياسات باتجاه معين، فينبغي إعادة النظر فيها، وخاصة بعد أن كشفت الأزمات أن هناك أمورًا ينبغي أن تعالج، وأولويات يجب أن ترتب. إن ما بعد كورونا سيظهر لنا بشكل أكبر وأوضح، كم نحن في حاجة إلى دولة  لتنمية القطاعات الحيوية (القطاع الحيواني الزراعي)، وأن تتوجه بقوة إلى تخصيص ميزانيات وأراضٍ من أجل أن يكون لدينا اكتفاء ذاتي من هذه القطاعات، وإلا نبقى نعتمد على الاستيراد حتى لا نبقى مرتهنين للخارج وهذا ما ترجمته انتفاضة تشرين حينما قالت (نريد وطن) لكنها تلقت جوابًا بالقناص والكاتم.



اقرأ/ي أيضًا:

كورونا العراق: دروس المواطنة والدين وحكم الكونكريت

كورونا في العراق.. فيروسات السلطة والمنابر

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert