رأي

العراق الورقي

16 مارس 2020
GettyImages-1205431292.jpg
الحراك الشبابي الذي حصل منذ تشرين قادر على أن يصحح المسار الديمقراطي (Getty)
قيس حسن
قيس حسن كاتب من العراق

الدولة الديمقراطية قطار تقوده الأحزاب، يظفر بقيادته الحزب الذي يحصل على ثقة "الركاب"، ليوصله بالاتفاق معهم إلى الوجهة التي يريدونها معًا، هذا هو العنوان الذي يختصر الديمقراطية.

حين يرفع العراقي رأسه عن الورق ويتذكر شعار "المرحلة" (ارفع رأسك أنت عراقي) "يكفر" بالنعمة الورقية، فحياته مثيرة للشفقة وهو يائس سياسيًا، ومنكسر نفسيًا

في انتخابات عام 2018 سجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات 121 حزبًا لتشارك فيها، العدد لا شك كبير جدًا، ومضحك ومبكي في نفس الوقت. (121) حزبًا يريدون خدمتنا ويتنافسون فيما بينهم بكل الوسائل الشرعية "وغير الشرعية" من أجل تلك الغاية النبيلة؟ لكن ليس هناك أي مقر أو بناية أو كتيب أو مهرجان أو إعلان للجزء الأكبر من هذه الـ 121؟ هناك فقط مقرات للأحزاب التي أسست لمسار الخراب الديمقراطي. وهي لا تتعدى أصابع اليد، وتحولت إلى مصب لنيران وغضب الجماهير في الجنوب.

اقرأ/ي أيضًا: في العدمية السياسية

كلما يشاهد العراقي بلده على الورق يظن أن لا بلد مثله في هذه "النعمة"، فهو ورقيًا "ديمقراطي"، "يفصل بين سلطاته"، "إعلامه حر"، "برلمانه منتخب"، والأهم من ذلك؛ إن المواطن لديه حرية إهانة القطار والحزب القائد بكل الطرق، وبكل الأوقات "باستثناء بعض الأحزاب فهي بنظر نفسها فوق النقد والتجريح حتى على سوء عملها"، وحين يرفع العراقي رأسه عن الورق، وهو يتذكر شعار"المرحلة" (ارفع رأسك أنت عراقي) "يكفر" بالنعمة الورقية، فحياته مثيرة للشفقة وهو يائس سياسيًا، ومنكسر نفسيًا. ولكي يتأكد من الفرق بين الحالتين، يضرب مع نفسه مثلًا فيما قاله قانون الأحزاب الذي أصدره برلمانه المنتخب بأنه:

  • ثالثًا: أن لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذًا شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة.

يرفع رأسه من ورقة القانون على وقع تفجير هائل لمخزن أسلحة تابع لحزب من الأحزاب الكثيرة التي تقود القطار، فهي لا تؤمن بفكرة المعارضة، وتقاتل من أجل المشاركة في السلطة، ثم ليشاهد سيارات تنقل مسلحين تابعين للحزب، وهي تنطلق صوب مكان التفجير. تتطاير صواريخ "الحزب" وتمرق سياراته المدججة بالسلاح وبيده قانون الأحزاب.

في كتابه "عن الديمقراطية في أميركا" يفرق ألكسي دو توكفيل بين الأحزاب الكبرى والأحزاب الصغرى، وهذا الفرق هو الذي يكشف لنا حال ديمقراطيتنا التي بلغت سن المراهقة، عمرها 17 سنة ولله الحمد، يقول عن الأحزاب الكبرى: "هي الأحزاب التي تعنى بالمبادئ أكثر مما تعنى بعواقبها، بالعموميات لا بالحالات الخاصة، بالآراء لا بالأفراد. وغالبًا ما تتميز بسمات أكثر نبلًا وعواطف أكثر سماحة"، أما عن الأحزاب الصغرى وهي أحزابنا لا شك، فيقول: "غالبًا ما تكون الأحزاب الصغرى مجردة من أي عقيدة سياسية، ولأنها لا تشعر بأنها سامية المقاصد مدعومة بغايات عظمى، فأن طابعها موسوم بالأنانية التي تظهر بادية للعيان في كل عمل تقوم به. لغتها عنيفة ومسيرتها خجولة غير واثقة، أما الوسائل التي تصبو إليها، فوضيعة على غرار الأهداف التي تصبو إلى بلوغها. الأحزاب الكبرى تحدث انقلابات في المجتمع، أما الصغرى فتثير فيه القلاقل، الأولى تمزقه "لتنقذه" والثانية تفسده وتثير الاضطراب دون فائدة".

 لماذا لم نستطع أن نقف على أرجلنا ولو لسنة واحدة؟ لأن أحزابنا "صغيرة"، وما المانع لنقول إنها في غاية التصاغر والضعة؟ لقد جعلت هذه الصغيرة من نفسها عدوًا شرسًا للشعب، أحرقت ما فيه من موارد، مزقت نسيجه الاجتماعي، أهانت كرامة الناس، عبثت بمستقبلهم، ولكنها ولهول تفاهتها تريد أن تجرب مرة أخرى قيادة قطاره.

الحراك الشبابي الذي حصل منذ تشرين قادر على تحويل نفسه إلى حزب سياسي يمكن له أن يؤسس أول خطوة في تصحيح مسار الديمقراطية

إن الأثمان الباهظة التي ندفعها اليوم هي نتاج طبيعي لعمل وسلوك أحزاب جعلت من نفسها ندًا وعدوًا للشعب، وتشبثها بالسلطة وتكرار تجربتها يعني تحمل المزيد من الأثمان، هل يمكن منافسة هذه "الشركات الضخمة والاحتكارية"؟ إذا كان الحراك الشبابي والاجتماعي الذي حصل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 حتى الآن قادر على تحويل نفسه إلى حزب سياسي مختلف شكلًا ومضمونًا، ويستفيد من أخطاء الأحزاب الحاكمة، فيمكن له أن يؤسس أول خطوة في تصحيح مسار الديمقراطية ووضعها في الاتجاه الوطني بعيدًا عن التبعية المذلة والأنانية المفرطة والفساد الكبير الذي عليها أحزاب السلطة الآن. لا يجب أن يكون الأثر النفسي السيئ الذي تركته الأحزاب على المجتمع، والذي أصبح أشبه بـ"عقدة" نفسية اتجاه الأحزاب حتى كفكرة أو وجود، عائقًا أمام إنشاء حزب. فلا ديمقراطية بدون أحزاب ولا تصحيح لمسارها بدونها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أغلبية وطنية بجبهة عربية.. نحو عُرفٍ سياسي جديد

آلام وتحديات الواقع

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert