رأي

الصدريون: تغيير سياسي أم مصالح فئوية؟

4 فبراير 2022
download_2.jpg
لا خطوط حمراء يفرضها الخطاب المثالي بعد اليوم (فيسبوك)
رعد أطياف
رعد أطياف كاتب من العراق

إن كان ثمة صراع سياسي واضح المعالم، يمكن أن نتكلم عنه بوضوح، ولا نحتاج إلى تأويلات متعسفة لفهمه، هو بروز سياسة المصالح وانحسار الخطاب العقائدي بالتدريج. ولذلك يمكن أن نضفي صفة النجاح النسبي على الانتخابات الأخيرة من هذه الناحية بالتحديد. فهي كانت الحد الفاصل بين خطاب الأمس واليوم؛ الأول كان مغرقًا بمثاليته، ولا يتلمّس دروب السياسية الواقعية واستلهام جانبها العملي، وكثيرًا ما تورّط في مفاضلات خطيرة أقحم من خلالها مقولات مذهبية مكشوفة المقاصد، وفي النهاية لم يحصد من هذا الاستثمار سوى خيبة الأمل.

ثمّة قاعدة شعبية في طور التنامي لا تنطلق من "الهوسات" العشائرية ولا من نظريات المؤامرة التي احترقت ورقتها تمامًا

أما الثاني فقد رافق اللعبة منذ بدايتها ولم يكن أحسن حظًا من الأول، لكنّه يمتاز عن هذا الأخير في أنّه فهم اللعبة بعد ماراثون الشعارات الطويل، والذي لم يحصد منه سوى الخسران المبين. وها هو الآن يمضي محاولًا تعلّم ما فاته من جولات خسر فيها الكثير. وما يهمنا هنا هو تدشين لحظة جديدة في السياسية العراقية قوامها المصالح العملية. أما الشعارات العقائدية فيمكنها أن تنفع السياسي في سلوكه الفردي ليكون ورعًا وتقيًا بحق، عسى أن يصده هذا السلوك عن الفساد والإفساد باسم رب العباد. فالإنسان إما أن يكون متدينًا بدين سماوي، أو ملتزمًا بشريعة أخلاقية خارج منظومة الدين السماوي، وكلاهما يحثّانه على الاستقامة. لكن يبدو أن السياسي ينتمي إلى اتجاه آخر.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعلّمتم من إيران؟

المهم في الأمر، فمن كان مثاليًا في طروحاته السياسية فهو مستعد اليوم إلى التحالف مع الخصوم القدماء ضمن منطق برغماتي واضح. ولم تعد ثنائية السنة والشيعة تصلح للتسويق السياسي، حيث سترحب الكتلة الفائزة بأغلب الأصوات بأي فصيل سياسي يبغي التحالف معها. وفي هذه الدورة الانتخابية تم كسر الجمود المتبادل بين الفريقين وتقدمّت المصالح العملية على الخطابات المبدئية، وأثمر لنا حلف ثلاثي جديد: صدريون، وكرد، وسنّة. أما من خسر في هذه اللعبة الجديدة فقد رفع لواء الطائفية من جديد عبر الإيحاء المباشر وغير المباشر بسابقته الطائفية عن غيره. لا بل يحاول رأب الصدع، كما يدعي، بإرجاع الخصوم إلى "البيت الشيعي"، ويعني بهم التيار الصدري طبعًا. إلّا أن التجارة المذهبية كما ذكرنا لم يعد لها مستهلكون جدد، وهم في طور الاختفاء تمامًا عن هذه السوق التي لعبت دورًا كارثيًا في السنين الماضية.

لا خطوط حمراء يفرضها الخطاب المثالي بعد اليوم، باستثناء بعض المواقف المتوترة (كموقف الصدريين من المالكي). لقد أثبتت الوقائع أن الخطاب العقائدي في الممارسة السياسية كانت نتائجه كارثية، وأثبتت أيضًا أن توظيف العقيدة في التوترات السياسية سينقلب على أصحابه ولو بعد حين. لم يعد الجمهور العقائدي بذلك الحماس المُرتَجى، ولم يسجل في الانتخابات الأخيرة بصمته المميزة، وربما هو في طور الانحسار، فوجب على المعسكر القديم عبور الورقة الطائفية واللعب على المكشوف، وأعني هنا السياسية كحرفة قائمة على المصالح وليس المبادئ.

ثمّة قاعدة شعبية في طور التنامي، لا تنطلق من "الهوسات" العشائرية، ولا من نظريات المؤامرة التي احترقت ورقتها تمامًا. بل أصبح التعكّز بنظرية المؤامرة معيارًا لكشف الفاشل من غيره. تبحث هذه القاعدة الشعبية عن نخبة سياسية مهمومة ببناء الدولة، وعابرة للمقولات الطائفية، وتتخذ من العمل الديمقراطي سلوكًا لها. فبالتالي لم يعد هنالك جمهورًا يتابع تلك الفعاليات المسرحية ذات البعد الطائفي، والتظاهر بحب المذهب، فهذا الأخير لم ينل شيئًا من كل هذا الحماس المسرحي.

وعلى هذا الأساس صعدت إلى البرلمان العراقي قوىً جديدة لا تنتمي إلى المعسكر القديم. وعلى الرغم من تجربتها الأولى في العمل السياسي إلّا أنها ستكون خطوة مهمة لتهيئة الدور لقوىً سياسية قادمة، وأحلاف مستقبلية ستكون خارج دائرة المتحاصصين.

ربما يتوهم القارئ إننا بصدد نكران أمر المحاصصة، أو ربما يظن أن الصدريين قادرون، في المستقبل القريب على الأقل، على إنهاء المحاصصة، وهذا أمر لن يحصل على الإطلاق. إذ يعني هذا التلاعب بالخارطة المكوّناتية التي تضمن للباقين حصصهم الثابتة أو التقليدية: رئاسة البرلمان للسنة، ورئاسة الجمهورية للكرد، ورئاسة الوزراء للشيعة، وأكثرية شيعية واضحة في عدد الوزارات، فضلًا عن الدرجات الخاصة التي يكون فيها للشيعة قصب السبق بحكم تفوقهم العددي.

 لذلك لم يعمل الصدريون على إنهاء المحاصصة، وإنما محاولة منهم لإنهاء جدل الكتلة الأكبر، وإزاحة بعض الخصوم، وقد نجحوا في هذا وذاك بشكل كبير، ونجحوا بشكل ملحوظ بإرساء المفهوم الطبيعي للأغلبية البرلمانية، وهي التي تحصد أكبر عدد في الأصوات الانتخابية قبل الدخول في ائتلاف ولها حق اختيار رئيس وزراء من داخل كتلتها حصرًا. لا تلك التي تتكون بحكم الائتلافات بعد العملية الانتخابية، وترشح رئيسًا للوزراء عن طريق التسويات فيولد ضعيفًا لا حول له ولا قوة، فهذه السياسة لم تعد حاضرة في هذه الدورة الانتخابية.

فمن هنا يتحدد نجاح الصدريين، إذ على الأقل يمكنك أن تتعرف على ملامح الحكومة القادمة، خصوصًا أن الصدريين صرّحوا أكثر من مرّة أنهم سيتحملون العملية برمّتها في حال الفشل أو الخسارة، وهذا ما يعنينا كمواطنين: أن نعرف حكومة واضحة المعالم لا أن نتعامل طيلة أربعة سنوات مع وحش فرانكشتاين! إذًا، نحن بانتظار خطوة، ربما ستظهر جليًا في المستقبل القريب، وهي إن كانت هذه التغييرات السياسية تجري للصالح العام أم لا، أم سيبقى الفشل يتيمًا ليس له من يتبنّاه، وسرعان ما نرجع، في الدورة القادمة، إلى جدل الكتلة الأكبر والغرق في وحل التسويات مرة أخرى؟

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ديمقراطية السقيفة

في العراق: بين السياسة و"النُكتة" شعرة واحدة

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert