رأي

الحانوتي.. تاجر الموت

8 يناير 2017
egypt11.jpg
علي خيري
علي خيري كاتب ومحامٍ من مصر

انتظرته أنا وصديقي أمام دكانه المغلق، كانت أنفاس الشتاء الباردة تلسعنا بشدة، وكان حزن صديقي يحرق روحه وروحي أيضًا، جاء من كنا في انتظاره إنه الحانوتي، تاجر الأكفان، رجل خمسيني المظهر رمادي الشعر منحني القوام متوسط الطول، ذو ملامح لا أعرف إن كانت غير مريحة أم أن حالتي النفسية المضطربة وقتها هي ما هيأت لي هذا الشعور، بمجرد أن فتح باب الدكان هبّت علينا رائحة غريبة نسبتها فورًا للموت، لم تكن رائحة سيئة بالعكس كانت رائحة تميل للعطور إلا أنها تقبض الروح، السواد الذي صمم الحانوتي على دهان الأطر الخشبية به زاد من شعوري بالانقباض.

ما نظرة هذا تاجر الأكفان للموت؟ هل ألفه وتقبله كجزء أساسي في حياته؟

اقرأ/ي أيضًا: مقاومة الموت

كنت قد قرأت أن أهل الأندلس كانوا يرتدون البياض في حالة الحداد، فهل كانوا ينقبضون للون الأبيض كما ننقبض نحن من اللون الأسود، أقصد أن أقول هل المشكلة في اللون نفسه أم فيما يعنيه هذا اللون؟

كان كل ما يشغل صديقي هو إكرام شقيقته المتوفاة بأفضل كفن، عندما نظرت إلى الحانوتي وجدته ينظر إلينا نظرة التاجر إلى عملائه، على الرغم من أنه كان يصطنع الحزن أثناء مخاطبتنا، من الواضح أن هذا الحزن المصطنع هو أيضًا من لوازم الصنعة، فكرت كيف اختار هذا الرجل مهنته، كيف يعيش حياته مع كل هذا الموت؟ هل من الممكن أن يحلم صبي بأن يصبح حانوتيًا عندما يكبر؟ هي مهنة غاية في الأهمية بالنسبة لنا نحن بني البشر، ولكن من الذي يحب أن يمتهنها؟

تخيلت مشاعر هذا الرجل في أيامه الأولى في مهنته، هل كان يتألم لألم كل حالة يعاينها ويمارس مهمته معها، ما نظرة هذا الرجل للموت؟ هل ألفه وتقبله كجزء أساسي في حياته، بل من المفترض أن يصدر إليه كجالب للرزق، أم أنه يخشاه هو الآخر كخشيتنا له؟

هل الحانوتي فقط هو من يعيش حياته مع الموت، ألم يصبح الموت رفيقًا يوميًا لرحلاتنا في نشرات الأخبار، أهلنا في فلسطين وسوريا واليمن وليبيا والعراق وبورما يموتون أمامنا بصورة يومية، بل في كل لحظة ودقيقة ونحن لا نحرك ساكنًا، بل إننا نعيش حياتنا بدون أي منغصات، جل ما من الممكن أن نفعله هو أن نضغط زر أحزنني على الفيسبوك، وذلك لكي نريح ضميرنا المحتضر، أو من الممكن أن نكتب المقالات النارية والمنشورات البليغة ثم ننتظر مردود هذه الكلمات في صورة الحصيلة التي نجنيها من الإعجابات والمشاركات، مثلما ينتظر الحانوتي ثمن الكفن الذي اشتريناه منه.

كن طبيبًا يداوي الجرح والآلام، ولا تقبل بمهنة الحانوتي الذي ينتظرها

اقرأ/ي أيضًا: البكاء في مواجهة الموت

أكثر ما أخاف منه أن أنقلب في مشاعري إزاء الموت الذي يحاصر أمتنا، والكوارث التي تكتنفنا من كل جانب إلى مجرد حانوتي، مهمتي تنحصر في أن أظهر حزني لأن هذا أصبح جزءًا من مهنتي، أو لأنني اعتدت على مجرد إظهار الحزن دونما أي محاولة مسبقة لإنقاذ أمتنا المريضة.

حاول أن تكون طبيبًا يداوي جراح الأمة ولا ترضَ لنفسك بمكان الحانوتي الذي ينتظر موتها ليقوم بدوره.


اقرأ/ي أيضًا:

حين صار الموت خدمة إلزامية

الموت السوري العادي

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert