الجمهور العقائدي: الخوف من الاستقلال
22 أبريل 2022
يصعب الاهتداء لنتيجة واضحة ومرضية حينما نتأمل أفعال الجمهور العقائدي. كانت أغلب هموم هذا الجمهور هو محاربة العلمانية والليبرالية، وفيما سبق كان الحجاب شغلهم الشاغل، لكن وبما أن المجتمع العراقي ذو ثقافة محافظة فقد سارعت الفتيات بلبس الحجاب قبل سن التكليف، وعلى ما يبدو أصبح الحجاب سلوكًا اجتماعيًا معتادًا. شخصيًا، لا أحب الكلام عن قضايا الحجاب، لكن أحببت المرور عليه باعتباره من الهموم القصوى لدى بعض المتدينين. وهو بلا ريب يمثل أحد الواجبات الشرعية في الفقه الإسلامي.
معظم الذين يتفوهون بمقولات المذهب هم أكثر الناس فسادًا في هذا البلد المنكوب
لكن الناظر لأحوال هذا الجمهور، وبعد أن أصبح جمهورًا مسيّسًا، أصبحت مواضيع السياسية، على نحو العموم، شغله الشاغل. لقد انخرط في تدعيم السلطة الدنيوية لنخبته السياسية، لكنه تدعيم يجري بخطاب ديني. وبهذا المعنى تحاول النخب السياسية وجمهورها العقائدي زج الدين بأمور السياسة وإن بصورة غير مباشرة. لكن زج الدين في السياسة يفقده جذوته وبريقه الروحي. هل هذه فرضية متأثرة بكيفيات نفسانية؟ بل نظرية أثبتها الوقائع التاريخية. وثمة نظرية اخرى اثبتها الواقع أيضًا: إن الجمهور العقائدي ونخبه السياسية لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة ويتعاملون مع السياسية بطريقة مذهبية كفاحية. هل هذا خوف على الدين؟ أعتقد لا، بل خوفًا على العادات المتأصلة والمصالح الشخصية.
أصبحت المقولات الدينية سياجًا عقائديًا صلبًا للنخب السياسية الحاكمة، وأصبحت المشاكل الاجتماعية التي تُثار بين الحين والآخر ويستثمرها السياسيون وجمهورهم العقائدي بغرض تدعيم سلطة السياسيين أنفسهم. ولو كانت هوية المجتمع العراقي غير الهوية القبلية والمذهبية لسارع السياسيون، ربما، بتأصيل الهوية العلمانية، ليس لأهداف نبيلة وإنما لضمان ديموتهم في السلطة.
لكن الغريب في هذا كله، أن الجمهور العقائدي أفلس من الدين والدنيا؛ فلا هو أستطاع الحفاظ على روحانية الدين، ولا هو جمهور يتطلّع لسلطة زمنية تشرّع له القوانين ليضمن نصيبه من الدنيا. إنه جمهور شعبوي بامتياز تحركه الغرائز والانفعالات، وغير هذا لا نجد له نشاطًا ملحوظًا في سلوكه السياسي، أللهم إلا حالات التأهب القصوى التي ينتظرها من قادته السياسيين لإثارة قضية مذهبية أو الاعتياش على نظرية المؤامرة، أو النشاط المنقطع النظير في الطقوس الشعبية. وبهذا المعنى نرى هذا الجمهور حدد نفسه في وظيفتين: دعم نخبه السياسية حتى لدواعِ طائفية، والنشاط اللافت في طقوسه الشعبية.
هل يتصرف المتدين طبقًا لنصوصه الشرعية فبالتالي تتحول هذه النصوص الدينية إلى أفق للتفكير لديه؟ فمن هذه الناحية يبدو المنطق، الذي يفكر المتدين من خلاله، سليمًا وشرعيًا إن صح التعبير. لكن الحياة أوسع من ذلك بكثير، فكلما خرج المتدين من إطاره الأيديولوجي الخانق وينظر للعالم من أفق رحب لا من كوة ضيقة، سيتسع أفق التفكير لديه ويغادر نزعة التفكير الضيقة التي تحبس تفكيره داخل إطار المقولات المذهبية. تقسيم الناس إلى فسطاط كفر وفسطاط إيمان في العمل السياسي هو إباحة مباشرة لتشريع العنف تجاه المختلفين وتنمي حالة "الوجدان القمعي" كما وصفها الراحل هادي العلوي.
نعم للمتدين عذره، كما قلت قبل قليل، لأنه يتحرك طبقًا لنصوصه الشرعية. لكن في العمل السياسي تلعب السلطة الزمنية دورًا محوريًا في صناعة حياة حرة وكريمة سيكون المستفيد الأول والأخير، لا سيما في العراق، هو الجمهور العقائدي. أما خلط الدين بالسياسية بحجة الحفاظ على المذهب فلا تصدقها الوقائع. ذلك أن معظم الذين يتفوهون بمقولات المذهب هم أكثر الناس فسادًا في هذا البلد المنكوب. ليس هذا فحسب، بل سيفلس من كلا الأمرين، من الدين والدنيا. ولدي شعور أن الجمهور العقائدي يعلم ذلك تمامًا، لكنه مأسور بعاداته، كما ذكرت، لذلك من الصعب الرهان على جمهور يهرب من قضاياه الجوهرية ويغوص في قضايا هامشية لا تمثل همومنا على الإطلاق.
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات