رأي

التَسَلُّل من القصر إلى المعبد (1ـ2)

18 ديسمبر 2021
5b0cc69b49169.jpg
أنظروا إلى الخراب الذي يأكل المحافظات التي تحتضن المراقد التي تقدسونها (فيسبوك)
سعدون محسن ضمد
سعدون محسن ضمد إعلامي وباحث في الأنثروبولوجيا

عندما تَنْظُر إلى واقع العراق المطحون طحنًا، لا تملك إلا أن تسأل نفسك؛ هل يعقل أن يصل حال بلد يتولّى رعايته الإسلاميون إلى هذا المآل؟ كيف يمكن أن يؤول حال الدين الإسلامي الذي مضى عليه ما يقترب من الألف وخمسمئة سنة من السعي التراكمي في محاولة إصلاح المجتمعات وإيجاد السبيل لإنقاذها من التعسف والضيم، كيف يصل به المطاف أخيرًا إلى إنتاج نموذج في الإسلام السياسي بهذا الشكل؟

تحولت الكيانات التي تقودها أحزاب الإسلام السياسي في العراق إلى مرتع للفساد والجريمة

كيف يمكنكم – والكلام لأحزاب الإسلام السياسي - إقناع معتنقي الأديان الأخرى بأن في الدين الذي تعتنقون قدرة على إصلاحهم وأنتم تقدمون لهم تجربتكم في العراق الذي أوصلتموه إلى مرحلة الانسداد الكامل والخراب التام؟

اقرأ/ي أيضًا: دولة التقاليد المٌقَدَّسَة

ستقولون بأن هذا الحكم تعسفي وغير دقيق، لعدم تمكنكم من قيادة البلد بالطريقة التي تريدون ولم يُسمح لكم بتطبيق تعاليم دينكم الخاصَّة بإصلاح أحوال الناس. وسأقول لكم؛ فلماذا لم تطبقوا تعاليم هذا الدين على أنفسكم وعوائلكم وكياناتكم وأحزابكم؟ لماذا تحولت الكيانات التي تقودونها إلى مرتع للفساد والجريمة؟ لماذا لم تصلحوا بيئتكم حتى تكونوا قدوة حسنة، وفي هذه الحالة ستقوم الجماهير ذاتها، وبدلًا من التظاهر ضدكم، بالتظاهر لصالحكم ولصالح منحكم الفرصة الكاملة في قيادة المجتمع بالطريقة التي تختارونها؟

وقبل أن تستعملوا شمّاعتكم الدائمة، أقصد قبل أن تحدّثوني عن المؤامرات التي تحاك ضدكم دعوني أذكّركم بغاندي، أو بنيلسون مانديلّا، غاندي الذي تآمرت عليه بريطانيا العظمى في زمانها، أيام كانت لا تغيب عنها الشمس، ولم تتمكن من ثنيه عن مبادئه. في نهاية المطاف استطاع غاندي تحقيق أهدافه بخدمة مجتمعه رغم جسامة المؤامرة وقدرات المتآمرين عليه، هل تعلمون لماذا؟ لأن غاندي لم يكن لديه أملاك أو امتيازات يمكن مساومته عليها، والكلام نفسه ينطبق على مانديلّا.

تَلَفَّتوا حولكم، أنظروا إلى الخراب الذي يأكل محافظاتكم، بل أنظروا إلى الخراب الذي يأكل المحافظات التي تحتضن المراقد التي تقدسونها وأسألوا أنفسكم عمّا فعلتموه بالأموال التي خُصّصت لأعمارها! أيعقل أن أموال العراق كلّها لم تُشبع نهمكم حتى تجرأتم على الأموال المخصصة لأعمار المدن التي يرقد فيها علي والحسين والعباس والكاظمَين والعسكريَّين؟ 

على كل حال أنا لا أريد أن أعتب عليكم، لأنه عتب ضائع، لكن أريد أن أعتب على منظومة التصحيح في الإسلام ومسؤوليتها عن تصحيح مسار دينها. فلا يُعقل، بل ومن غير المقبول، أن دينًا مثل الدين الإسلامي لا يمتلك منظومة تتولى تصحيح مساره، فعدم امتلاكه لمثل هذه المنظومة يُمَثّل خللاً كبيرًا جدًا، إذ كيف لدين يسعى إلى إصلاح المجتمعات ألا يمتلك منظومة تكون قادرة على تصحيح مساره عند الانحراف، من لا يستطيع إصلاح نفسه كيف يصلح الآخرين؟!

هناك، في كل مجتمع، مؤسستان تتصارعان، مؤسسة القصر ومؤسسة المعبد، في الأولى يوجد السلاطين، وفي الثانية يوجد النُسّاك، السلاطين يحاولون دائما أن التسلّل من القصر إلى المعبد لقيادة الناس من داخل محرابه حتى يوهموهم بأنهم يُنفِّذون أوامر الله. وهنا على النسّاك التصدي للمسؤولية وحماية سمعة الله من التلوّث، أو يكونون شركاء للسلاطين في تلويثها.

النسّاك هم منظومة الإصلاح، فإذا كانوا فاسدين أو خائفين أو متقاعسين أو قابلين للشراء، فهذا يعني بأن الدين لا يمتلك منظومة إصلاح وهو غير قادر على معالجة أمراضه، فضلاً عن أمراض المجتمعات.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

التلوّث النفسي في بيئة الإسلام السياسي

عن الاستعمار والاستقلال.. محاولة لفكّ الالتباس

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert