رأي

التيار "التشريني" الثالث!

19 نوفمبر 2021
1043560204_0_199_1280_919_1200x0_80_0_1_0311876b1b5c5ef806c6366bc7e0c2ad.jpg
يمكن أن ينتظم الحراك التشريني بمشاهد مشابهة (فيسبوك)
أحمد سعداوي
أحمد سعداوي كاتب وروائي من العراق

أي مراقب لديه عناية بسيطة بمتابعة الأحداث يستطيع أن يميّز ثلاثة تيارات داخل الحراك التشريني، يمكن أن نصف الأول منها بأنه "تيار محافظ" والذي انبثقت منه حركات سياسية منها حركة امتداد التي شاركت بالانتخابات المبكّرة وحصدت 9 مقاعد.

خطأ كبير يرتكبه المراقب إن حصر تشرين بالتيارات السياسية المنبثقة عنه مع تجاهل للقواعد الاجتماعية لها

أما التيار الثاني فيمكن أن نصفه بأنه "تيار يساري" يمثّل قطاعًا واسعًا من الناشطين التشرينيين، ولعلنا لا نجانب الصواب إن وضعنا حركة "البيت الوطني" السياسية تحت هذا التيار. وهؤلاء لم يروا من المناسب أن ينزلوا إلى الانتخابات في ظل الظروف الحالية، وأن هناك عملاً كثيرًا يجب القيام فيه بين القواعد الشعبية قبل الدخول في الانتخابات النيابية.

اقرأ/ي أيضًا: دماء تشرين: جرح العراق النازف

التيار الثالث هو التيار الأكثر راديكالية، ولم يفرز حركات سياسية، ويصعب حصره في هيكلية معيّنة، وهو أقرب إلى القواعد الشعبية التشرينية ومزاجها، ولعل هذا المزاج هو الذي رفع شعارات تشرين الأولى الأكثر حدّة مثل "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو مزاج كان يدفع الكثير من الشباب لتقدم الصفوف وتحدّي دخّانيات الأجهزة الأمنية ورصاص المليشيات.

هذا التيار الثالث هو صاحب السقوف العالية، والذي لم يرَ خيرًا في بقاء النظام بقضّه وقضيضه، ولا يبدو أنه يرى في التغيرات التي حصلت منذ إسقاط حكومة عبد المهدي إلى اليوم أي شيء مشجّع لتغيير وجهة النظر حول النظام. ولربما يلوم أفراده زملاءهم التشرينيين من "المحافظين" و"اليساريين" لأنهم يحاولون لعب السياسة.

خطأ كبير يرتكبه المراقب إن حصر تشرين بالتيارات السياسية المنبثقة عنه، مع تجاهل للقواعد الاجتماعية لتشرين، والتي لا تريد أن "تمارس" السياسية، ولا ترى أن هذا مطلوبًا منها أساسًا، فهي حراك شعبي احتجاجي، وظيفته الضغط على النظام السياسي وتمثيلاته من برلمان وحكومة ورئاسات ثلاث أو أربع [إن أضفنا المحكمة الاتحادية].

هذا التيار الذي يوصف أفراده بأنهم حالمون ومتطرّفون، فيه سائق "الستوتة" وبائع البسطة في الأسواق الشعبية، وفيه الموظف والطالب والصحفي والأستاذ الجامعي أيضًا. وهؤلاء لديهم مشروعية تعزّز رفضهم الكلّي قادمة من البؤس المهيمن على الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. وهم لا ينظرون إلى الزحزحة البسيطة في هذا الموقع أو ذاك نحو الانفراج أو الحلّ أمرًا إيجابيًا حقًا، وإنما محاولات للترويض والالتفاف على مطالب الحراك الشعبي.

إنهم انفعاليون، غاضبون ويائسون، ولكن هذه هي الطاقة التي تحرّك الثورات والحركات الاحتجاجية، وليس "لعب السياسة" والبحث عن تسويات أو صفقات أو حلول تدريجية، فهذه منطقة السياسة لا الاحتجاج.

وهنا قد يستفيد السياسي القادم من ساحات الاحتجاج، إن كان محافظًا أو يساريًا، من زخم الغضب واليأس وقائمة المطالب غير الملبّاة بعد، مثل الكشف عن مصير المغيّبين، وتقديم القتلة والجناة إلى العدالة. ليتذكّر أنه مسؤول أمام هذه الساحات أو القواعد الشعبية التي ملأت الساحات التشرينية، ليحقّق مطالبها وليتحدث بإسمها.

إن الحراك الاحتجاجي التشريني الذي قدّم مشهدًا مثيرًا وغير مسبوق في التاريخ العراقي الحديث على مدى تسعة أشهر أو أكثر، يمكن أن ينتظم مرّة أخرى بمشاهد مشابهة حين يتحرّك المزاج الاحتجاجي مرّة أخرى، انطلاقًا من مقدّمات مشابهة لما حدث قبل الأول من تشرين الأول 2019، وهي مقدمات يعرفها الجميع ولا داعي لسردها هنا.

وهنا تأتي مسؤولية التيارات السياسية التشرينية في أن تكون قريبة من القواعد الشعبية التشرينية، وتبقى في دائرة الحوار المفتوح معها، حتى لا تعزل نفسها عن المتغيرات التي تحصل في المزاج العام، بل وتكون جزءًا من القوة التوجيهية لهذا المزاج، لأنها منه وما انطلقت إلى العمل السياسي إلا بالاتكاء على الرأسمال الرمزي التشريني.

وعلى الرغم من المفاجآت التي حملتها انتخابات العاشر من تشرين الأول 2021 لصالح التفاؤل بقدرة المزاج التشريني على التغيير السياسي الفعلي، إلا أن المشهد السياسي بشكل عام ما زالت تتقاسمه توازنات القوى نفسها التي كانت خلال وعقب انتخابات 2018. وبعض هذه القوى تصارع الآن بأظافرها وأسنانها حتى تحافظ على مواقع النفوذ والسلطة والمال نفسها، غير معترفة بالمتغيرات التي أنتجتها الانتخابات الأخيرة.

يمكن أن ينتظم الحراك التشريني بمشاهد مشابهة حين يتحرّك المزاج الاحتجاجي مرّة أخرى

لهذا وحتى يتضح مشهد الصراع بين الكيانات السياسية النافذة والتي تمتلك السلاح ومواقع السلطة حاليًا، فإن تشرين ستبقى وعدًا أكثر منها واقعًا، وعلى الساسة "التشرينيين" أن يكونوا ممثلين لروح الوعد الذي يختزن الكثير من محطات الاختبار، وهو اختبار للطبقة السياسية القديمة التي ما زالت نافذة، مثلما هو اختبار للنخبة السياسية التشرينية الجديدة أيضًا. قد يبدأ ذات يوم (قريبٍ أو بعيد) بوقوف شابٍ لا تعرفه النخبة التشرينية في ساحة التحرير ليرفع شعارًا راديكاليًا يجذب انتباه من يشبه هذا الشاب ليخلقوا موجة احتجاج جديدة.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

وفاء لتشرين.. كلمات لا بدّ منها

البحث عن عالم أفضل.. تشرين أنموذجًا

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert