رأي

التغيير وشروط الواقع

29 نوفمبر 2020
GettyImages-1229831585.jpg
السلطة وجمهورها مصرّة على تغييب كل أشكال المعارضة السياسية (Getty)
رعد أطياف
رعد أطياف كاتب من العراق

حينما ننتقد الوضع السياسي القائم لا نأتِ بشيء جديد. وكأن لسان حال السلطة يقول: هذه بضاعتنا رُدّت إلينا! أعلى أشكال النقد في وضعنا الحالي هو إيجاد البديل السياسي الموازي. ما لم يفضِ للنقد إلى نتائج عملية مثمرة فهو لا يعدو كونه تنفيس عن المكبوت. تغيير الأفكار لا يستتبع بالضرورة تغيير الواقع، ما لم تتغير الشروط التي أوجدت هذا الواقع، والمقدمة العملية لتغييره هي العمل السياسي بلا شك. فانتظار التحولات الاجتماعية يعني انتظار مزيد من خيبات الأمل. معظم فعاليتنا السياسية - كالتظاهر في ساحة التحرير، والكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي - لا تتعدى ممارسة حرية التعبير، ولم تخرج من هذه الجزئية على الإطلاق. على سبيل المثال: لو قُدّر لأي احتجاج سياسي النجاح في مساعيه لـ"تغيير النظام"، أو تغيير السلطة الحالية على الأقل، فما السيناريو الذي يمكن أن نتخيله في ظل وضع سياسي لا تتوفر فيه بدائل سياسية تنظيمية من قبل المحتجين أنفسهم؟

يعاني الحراك الجماهيري دائمًا من شلل تام في أي تغيير سياسي، لأنّه يبدأ بالحماس وينتهي بالحماس

مشكلة بعض الفئات الاجتماعية في البلدان الطرفية، أنها في عالم والوضع القائم في عالم آخر. أتذكر هنا كلمة لماو تسي تونغ موجهة إلى المثقفين الصينيين المتأثرين بالحضارة الغربية، والذين كانوا يتمنون دولة صينية على الطريقة الغربية؛ ديمقراطية ليبرالية، انتخابات دورية، اقتصاد سوق مفتوحة.. الخ. كان ماو يخبرهم دومًا بهذه الحقيقة، أنتم عاجزون عن التغيير، لا يمكنكم أن تحركوا ساكنًا، لأن الأمر ببساطة شديدة هكذا: من يسعى للتغير حقًا فسيحتاج كل فئات الشعب، بتعبير أدق يحتاج إلى حاضنة شعبية مؤيدة للتغيير، وتضع يدها بيد القوى الاجتماعية التي تضع على عاتقها مشكلة التغيير وتحدياته.. لكنّكم، والكلام لماو، تشتمون الشعب.

اقرأ/ي أيضًا: جدلية الفكر والواقع

في السياق العراقي، اتخذت بعض الفئات المثقفة جانب الحياد، أو جانب السكوت؛ فالقسم الأول منهم محبطون بسبب خيبات الأمل المتواترة، وطغيان الحس الشعبوي المدعوم بقوة الميديا. وهم على حق في ذلك. أما القسم الثاني، فيؤسسون لظاهرة ما أستطيع أن اسميه "مجاملة الرأي العام"، والانسياق مع الطروحات الرغبوية، لا لأجل الجمهور، وإنما تحقيقًا لتميّزهم. لا نستغرب حينما نسمع دعوات من قبيل حقوق المرأة، وقانون العنف الأسري، وغيرها. ليس لأنها مبادئ مرفوضة، بل هي من صلب البناء الاجتماعي، ولا يمكن لأي حركة تقدمية أن تتجاهل هذه المطالب. لكن حينما تتحول هذه المطالب إلى دعوات للتميز، فمن هنا نفهم، أن عموم الناس، بما فيهم بعض المثقفين، لا يهمهم التغيير الاجتماعي، ولا يهمهم النظر الدقيق والمتفحص والموضوعي بالشروط المعقدة للوضع العراقي، بقدر ما يهمهم مصالحهم الفئوية والشخصية، والشعور بالتميّز.

لذلك يعاني، دائمًا، الحراك الجماهيري من شلل تام في أي تغيير سياسي، لأنّه يبدأ بالحماس وينتهي بالحماس. ونحن نعلم أن أي تغيير مُحتمل لا يمكنه أن يحدث ما لم نتحوّل إلى فاعلين سياسيين حقيقيين، ذلك أن ساحات الاحتجاج "تكتيك" مهم، لاستقطاب أكبر عدد من الشرائح الاجتماعية لصالح قضية الحراك الاحتجاجي، غير أن التكتيك وحده لا يكفي، خصوصًا إن كانت الدوافع نحو التغيير. فالمشاورة والنقاشات المستمرة والتقارب في وجهات النظر يفضي في نهايات المطاف إلى صيغة تضامنية ينتج عنها لاحقًا قوة سياسية تمثل الحراك الاحتجاجي. هذا إن كنّا نريد التغيير، فالأدوات معروفة ولا تحتاج إلى عناء تحليلي جمل فلسفية مركبة.

لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يفتح بوابة الاستنزاف على مصراعيها؛ فالسلطة وجمهورها مصرّة على تغييب كل أشكال المعارضة السياسية، وتستخدم كل الطرق المتاحة، (وتعني كلمة "متاحة" في السياق العراقي الموت المجاني!)، لتحقيق أهدافها. هل هذا خافِ على أبسط فرد عراقي؟ لا أظن ذلك، فخطاب السلطة واضح وجلي: أن نتمسّك بالسلطة  بكل الطرق الممكنة، وليس مهمًا أن نقدم شيئًا إلى ناخبينا فهم قانعون زاهدون. فلا أرى أي انفراج يلوّح في الأفق بخصوص الحراك الاحتجاجي فيما يخص العمل المؤسساتي، وما يكشفه سير الأحداث يعزز هذه الحقيقية. التنظيم، العمل المؤسسات، الأواصر المتينة بين المحتجين، أمر صعب، وسيتعرّض لتحديات جسيمة بالتأكيد، لكنه ليس أكثر ترويعًا من سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المعارضة "اليتيمة"

الجمهور السعيد

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert