رأي

إنها بغداد يا الله

2 يناير 2016
2861659117.jpg
احتفالات في بغداد في رأس السنة (AFP)
مصطفى سعدون
مصطفى سعدون صحفي من العراق

نحن العراقيين لا نفوت أي فرصة يُمكنها أن تأخذنا إلى عالم غير الذي نعيشه، مهما كان قصر الوقت الذي يفصلنا عن العودة إلى واقعنا الأسود، لكننا نتشبث بتلك الفرصة ونستثمرها بكل ما أوتينا من حزن. في بغداد المُثقلة بجثث الموتى ولافتات نعيهم، بالطيبين والأشرار، بالظالم والمظلوم، بالعُنف والسلام، بالورد والبندقية، هناك صناعة للفرح.

من كان يتوقع أن بغداد، التي تُغذي دموع نسائها نهر دجلة وهو يحمل جثث أبنائهن، سيبتسم فيها الجميع ليلة رأس السنة؟ 

نحاول مغادرة سنوات الموت باتجاه لحظات نرقص فيها، نبتسم، نُغني، نُهنئ بعضنا، نتطاير فرحًا، لعل تلك اللحظات تكون بديلة عما ينتظرنا من خيبات ومأساة على المدى القريب، قد لا تقل عما عشناه ونعيشه.

يحول العراقي هذه الأيام السخام الذي تلبدت به سماء وطنه إلى طبشور وردي ويرسم بين أطفاله وأصدقائه ابتسامات يستقبل بها عامًا جديدًا تقول المؤشرات إنه لن يكون صديقًا للعراقيين اقتصاديًا. أطفال كانوا يرتدون قبل آخر ساعات 2015 زي "بابا نويل"، ومحال تزينت بنشرات ضوئية، وشوارع طُرزت باللون الأحمر، ونساء يبتسمن لعلهن يعشن كنظيراتهن الأخريات في بلدان الجوار على أقل تقدير.

رأيت كل النساء يبتسمن، حتى اللاتي لم يبالين لاحتفالات أعياد الميلاد، ابتسمن. الباعة الجوالون تركوا الكلينكس والسجائر وحاجيات أخرى كانوا يبيعونها، وراحوا يرتدون الزي الأحمر باللحى البيضاء. يبتسمون للأطفال، وللجميع. في حي الكرادة، كان بابا نويل العراقي الذي كان يبيع كارتات شحن الموبايل قبل أيام، يرقص في الشارع ليُضحك الأطفال. كان يُريد نسيان مأساته التي أوصلته للشارع، فهذا الزيّ لم يرتده أغلب أبناء جيله، أو حتى لم يتمكنوا من رؤية أحد يرتديه واقعيًا.

قد يعتبر البعض الاحتفالات في المناطق الآمنة، نسبيًا، نوعًا من البطر، مقابل وجود مناطق مُحاصرة من تنظيم إجرامي لا تسمح لهم الظروف من تهنئة بعضهم ولو عبر الرسائل النصية، لكن صناعة الحياة لا تقل أهمية عن العمليات العسكرية التي تجري ضد تنظيم البغدادي.

الليل الذي يُراد له ألَّا ينتهي وتبقى حياة العراقيين مظلمة، تحول إلى صباحٍ ليلة رأس السنة. من يعتقد أن البلاد التي تسيطر على 17% من أراضيها عصابات همجية ستحتفل في ليلة رأس السنة؟ ومن كان يتوقع أن بغداد التي تُغذي دموع نسائها نهر دجلة الذي حمل جثث أبنائهن سيبتسم فيها الجميع تلك الليلة؟ 

من شاهد بغداد في ذلك اليوم سيكون على يقين أن هذه المدينة لا يُمكن لها أن تلبس ثوبًا غير ثوبها، ولا يُمكنها أن تكون غير بغداد، المدينة. رأيت الله مبتسمًا في وجوه البغداديين، كان ينظر لهم من الأعلى فرِحًا به، كان يُسخر ملائكته لمساعدتهم. هكذا هو الله يُحب بغداد المؤمنة بالحياة. والمؤمن مُبتلى!!
 
اقرأ/ي أيضًا:

أحوال الانتقائية العراقية

لماذا يتظاهر العراقيون؟

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert