أوهام حول الحق والباطل
14 يونيو 2021
من المعلوم أن نشوء الإنسان، سبق نشوء الكلمة - اللغة، ومن اللغة سُميت الأشياء، والأفعال، وقُسمت ما بين مباح وغير مباح، خير وشر، حق وباطل، وكل مجموعة بشرية وضعت تصنيفات خاصة بها، لكن لم تتفق كل البشرية على ما هو خير- حق، وما هو شر- باطل، فما صُنف بأنه خير؛ نجده شر لدى مجموعة بشرية أُخرى، والعكس كذلك.
مع تطور وتغير البشرية، تغير معها الخير والشر، الحق والباطل، المباح وغير المباح، فالعبودية والجلد، والصلب، والغزوات.. وغيرها الكثير من الممارسات كانت مباحة، وأصبحت الآن غير مباحة. حيث مرت تصنيفات الخير والشر بتغيرات كبرى، لأن الإنسان هو الذي صنف بأن هذا الفعل يرمز للخير، وذاك الفعل يرمز للشر، وفق ما يخدم منفعته، وهو الذي وضع أسماء لهذه الأفعال، لأن اللغة ليست كائنًا ماديًا ثابتًا، ومُعد مُسبقًا، كي يكون الحق - الباطل أمورًا ثابتة لكل البشرية، ولمختلف الأزمنة، بل هي (اللغة) أداة تعبير وتواصل، يستخدمها الإنسان لمنفعته، ووفق طبيعته الجغرافية.
لكن المسألة أخذت تتعقد حينما دخل المعتقد الديني - اللاهوتي، حيث أصبحت كل مجموعة بشرية تعد أفعالها حق - خير، وتمثل الإله، وأفعال الآخر باطل - شر، وتمثل الشيطان، ومع هذا التعقيد نشأت كثير من الأساطير الوهمية، حول ثنائية الحق والباطل، الخير والشر. هذه الثنائية كانت أحد أسباب قتل مئات الملايين من البشر، على مر التاريخ، وحدثت الكثير من الصراعات جراءها، وبذلك نشأت تلك القاعدة التي تقول إن "الحق دائمًا ينتصر على الباطل"، وكل جماعة بشرية تزعم بأنها هي الحق وعدوها الباطل، وبالرغم من عدم ثبات صحة هذه القاعدة، إلا أنها لا زالت تسيطر على عقول الكثير، علمًا بأنه حتى الحروب الدينية القديمة تعرضت للنصر تارةً، وللهزيمة تارةً أُخرى، ولو طبقنا هذه القاعدة، فهل الهزيمة تدل على أن أصحاب هذه الحروب الدينية (بمختلف اسمائهم) كانوا على باطل؟ فالحق انتصر على الباطل تارةً، والباطل انتصر على الحق تارةً أُخرى، وبذلك تكون القاعدة الأصح والأدق: إن النصر حليف من هو أقوى، وليس من هو على حق أو باطل.
إن الحق أو الدم ليس شبحًا عملاقًا نعتمد عليه، كي يقاتل وينتصر نيابةً عنا، وكذلك الباطل، بالتالي علينا التخلص من أوهام توزيع النصر مسبقًا بناءً على ثنائية الحق - الباطل، والاعتماد على معايير واقعية، كالأدوات، والتخطيط والتفكير.. الخ، وحين ندرك هذه الحقيقة؛ فأننا حتمًا سنعتمد على أنفسنا، نطور وضعنا، نقوي أدواتنا، بذلك نستطيع الانتصار، وإلا، فإن البقاء على أوهام صنعها أسلافنا، قطعًا ستعطل العقول، وتُخدرها، وبالتالي نفشل. وفي نهاية المقال أترككم مع هذه التساؤل: الحرب العالمية الثانية، الحرب بين إسرائيل وفلسطين، الحرب الباردة، حرب فيتنام، حرب أفغانستان، الحرب العراقية - الإيرانية، وغزو الكويت، وغزو العراق.. الخ، كل طرف من هؤلاء يزعم أنه الحق وغيره الباطل، لكن بالنهاية من الذي انتصر؟
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات