أوهام الكومبارس
10 يوليو 2021
ولكن من تكون «أنت»؟ إنّ الذي أطلقت عِنانه في نفسك، هو الذي سوف تصير. مارت هايدغر
في الاشتباك المستمر في الحياة اليومية، المعيشة وليست المُتَصَوَرة، تتكشّف حقائق مثيرة للغاية، ومكمن إثارتها هو حجم الزيف - الخفاء الذي تظهره لنا، في حين كنّا في السابق، وبحكم الاعتياد والإدمان، نتصورها كما لو أن هذا الزيف جوهر حقيقتنا. من النادر للغاية العثور على إمكاناتنا الخاصة وسط هذا الضياع والغرق في الآخرين. يتجلى هذا الضياع والهروب المستمر من كينونتنا الخاصة عبر الثرثرة اليومية الفارغة والتدخل في شؤون الآخرين تعويضًا عمّا ضاع منّا، أو بتعبير أدق عمّا نهرب منه ولا نكونه. ذلك أن تبحث عن إمكانك الخاص يعني أن تتحمل المسؤولية كاملة، وهذا حمل ثقيل ليس بمقدور الكثير منّا أن يتحمّله.
من خلال العادات المستحكمة والإدمان المحبب إلى نفوسنا نختار الزيف كحقيقة أصلية لنا
لكن المفيد فهم الحالة التالية: إن الزيف لا يقل أهمية عن ظهور الحقيقة، أي أن الخفاء لا يقل أهمية عن الظهور؛ فكلاهما يكملان بعضهما البعض. فمن خلال اكتشاف زيف الحال الذي كنّا عليه من أنه لا يمثّل تجربتنا الخاصة، ولا يمثّل كينونتنا التي ينبغي لها أن تمثّل إمكاننا الخاص لا لغرق الآخرين. ونكتشف أننا بهذا الحال نقضي فيه على تفرّدنا، أي قدرتنا على الانفتاح وتحقيق مستطاعنا الخاص. على خلاف الغرق في الآخرين، فهو يشكّل حالة الخفاء لإمكانياتنا الخاصة، وهذا الأخير أن كشفناه فسيكون الخيط الهادي لرحلتنا اللاحقة. من هنا تكمن أهمية هذا الزيف؛ إنه يجلي ما خفي عنّا ويجلي ظلمتنا، شريطة أن نفهمه عبر المعايشة المستمرة وليس بإطار نظري جامد.
اقرأ/ي أيضًا: حفلات تنكّرية
من خلال العادات المستحكمة والإدمان المحبب إلى نفوسنا نختار الزيف كحقيقة أصلية لنا. وتتوقف رغبتنا في النظر للأشياء من منظور تصوري مجّرد؛ نكره المعاناة، لكننا نعشق أسبابها، ولا يوجد لدينا قرار حقيقي في عبورها. نسعى للظهور على خلاف ما نحن عليه، كما لو أننا نخجل من إظهار حالتنا الراهنة، وفي ذات الوقت لا نريد التخلّي منها. اي إننا نرغب أن نضيف لوجودنا أفضل الإمكانيات، لكنها رغبة تتوقف عند عتبة التصور المجرد، وتحلم بها "الذات العارفة"، أما على صعيد السلوك فهذا شأن آخر. لذلك معظمنا يرتضي عن طيب خاطر أن يبقى حبيس "الوجود الوقائعي"؛ وهو الوجود الذي لم يكن بخيار منّا، بقدر ما وجدنا أنفسنا مقذوفين فيه. إننا قانعون أن نبقى تحت رحمة التشيؤ والاغتراب، أن نبقى في ما يريده الآخرون لنا.
ثمة وقائع تحيلنا إلى هذه الحقيقة؛ إننا هاربون من مواجهة ما نعاني منه. ونحاول الالتفاف عليه بأشكال تعبيرية مزيّفة، ولدينا مساحات هائلة للعمل ثقيلة للغاية ونحن في زمن يندر فيه المغامرون، لكن يمكنني الانشغال بخياراتي التي تخرجني من سجن الوجود الوقائعي بدلاً من هذا التقمّص المخجل الذي يضاعف ألمنا بشكل مضاعف ويعدنا من كينونتنا. ثمة مسرحية ما نمثلّها على أنفسنا. لكن حتى هذا التمثيل يتخذ دور الكومبارس وبيس الممثل الرئيسي. على الأقل أن هذا الأخير يتقن الدور باحترافية عالية، بينما يكتفي الكومبارس اللعب في مساحات هامشية بالكاد يصله الضوء ليكشف عن حقيقته. إن شخصية الكومبارس شخصية ثانوية جرى اختيارها من قبل الآخرين وليس من الكومبارس نفسه. أما الممثل الرئيسي فهو من يختار الشخصية بعد أن يقتنع بها تمام الاقتناع.
وللأسف الشديد يختار الكثير منّا دور الكومبارس ليبقى مدفونًا في العتمة، عتمة الآخرين وما اختاروه له أن يكونه. لذلك نعثر على عيّنات كثيرة من هذا الكومبارس، حتى يكاد التشابه بينهم يصل لمستوى الاستنساخ، بل لا تعرف أيهم النسخة الحقيقة، ويا ترى من ينسخ من. في حياة الكومبارس يختفي دور الأيقونة ويحل الشبيه والنسخة المزيفة. ولا أعني الأيقونة ونسختها المزيفة على الطريقة الأفلاطونية، بل الأيقونة بوصفها كينونتنا الأصلية، والنسخة المزيفة هي وجودنا الوقائعي الذي وجدنا أنفسنا فيه دون اختيار منّا. ثمة طرافة يطلقها الكومبارس دائمًا، وهي صراخه المستمر عن الحرية. وما الحرية في ضميره؟ إنها حرية أن يلعب دور الكومبارس.
اقرأ/ي أيضًا:
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات