أغلبية وطنية بجبهة عربية.. نحو عُرفٍ سياسي جديد
7 مارس 2020
استبشر كل رافضٍ للمحاصصة الطائفية في العراق خيرًا بعد الانقسام العمودي في الكتل والأحزاب السياسية فور انتهاء الانتخابات النيابية عام 2018، وتشكّل تحالفا الإصلاح والبناء بقيادة سائرون والفتح على التوالي، وضم كلا التحالفين أحزابًا متنوعة الطوائف والأعراق.
أعطى عادل عبد المهدي للكرد ما لا يسمح للقوى الكردية الكبرى بالتخلي عنه رغم اختلافاتهم فيما بينهم
استند ذلك الاستبشار على تفتت التكتلات الشيعية والسنية والكردية وانقسامها عموديًا إلى جبهتين، بعد الفشل الذريع الذي أنتجه الانقسام الأفقي إلى بيوت شيعية وسنية وكردية خالصة، وبالتالي فأن دخول الأحزاب مختلفةَ الهوية في تحالف واحد "مختلط" سيجبرها على تقليل حدة الخطاب الطائفي للمحافظة على وحدة التحالف وعدم استفزاز الشريك المُغاير طائفيًا كما اعتقد المستبشرون واعتقدنا كذلك.
اقرأ/ي أيضًا: عن الانقسام الشيعي
كان الانقسام الشيعي واضحًا وغير مفاجئ، الصدر والعبادي والحكيم في جبهة، العامري والمالكي وقادة فصائل الحشد الشعبي في جبهة، ومعهما الكتل السنية موزعة على الطرفين، لكن المفاجئ هو الانقسام في البيت الكردي بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني على مرشح رئاسة الجمهورية الذي حسمته عملية التصويت لا التوافق، وهو ما لم يحصل في العملية السياسية من قبل، وعلى جدلية الكتلة الكبرى.
لكن التحالفين سرعان ما تشظّيا بفعل أسباب عديدة ذكرنا الكثير منها في مواضع أخرى، وكانت النتيجة هي تحالف ثالث طرفاه الكتلتين الرئيسيتين في كل من الإصلاح والبناء، الفتح وسائرون، والذين هما للأسف من ذات المكوّن، بلغة نظام ما بعد 2003.
بعد توافق هاتين الكتلتين وتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة استمر الانشطار الكردي والسني مع عملية توزيع الوزارات وفق الحصص الانتخابية.
تباعًا، استعادت الكتل الكردية النغمة القديمة ـ ربما استجابةً للتوافق الشيعي ـ وجاءت لبغداد كفريق تفاوضي واحد لبحث الموازنة الاتحادية وعلاقة بغداد والإقليم والمناطق المتنازع عليها وغيرها. وجد الكرد ما يوحدهم رغم الاختلاف الحاصل والمستمر.
أما الصراع داخل البيت السني بقي مستعرًا، وقد انتهى في آخر أيامه إلى تشكيل جبهتين، جبهة ذات عدد كبير من النواب بزعامة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي دُعيت بتحالف القوى، وجبهة سُميت بالإنقاذ الوطني بزعامة أسامة النجيفي.
بدت هناك "وحدة شيعية لتجاوز الأزمة" عبر حكومة عبد المهدي، كان عمار الحكيم أول الخارجين عنها باتخاذه خيار "المعارضة البنّاءة" والإصرار على فرز الكتل بين معارضة وموالاة، مع رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي اتخذ خيار "المعارضة التقويمية" بحماسٍ أقل، قبل أن تبعثر انتفاضة تشرين الأوراق مجددًا وتُعيد المشهد إلى نقطة الشروع: تحالف سائرون وائتلاف النصر وبعض السُنة في خط المعارضة التامّة والمطالبة بالإصلاح الذي تنادي به الجماهير، وتحالف الفتح مع القوى السنية في خط الحفاظ على حكومة عبد المهدي مع تراجع من الحكمة عن دور المعارضة.
أعطى عادل عبد المهدي للكرد ما لا يسمح للقوى الكردية الكبرى بالتخلي عنه رغم اختلافاتهم فيما بينهم، وهذا ما يجب أن لا ننساه عند الوصول لختام هذه السطور؛ لكن مصيره ظل شأنًا شيعيًا.
الأغلبية السياسية هي خيار أفضل من التوافق شرط أن تكون أغلبية "مشروع وطني" تتفق عليه أحزابٌ مَهمتها طرح البرنامج الحكومي
إلى هنا، كانت الأمور تسير بشيء من المنطق السياسي مع الأخذ بعين الاعتبار الهزّة الجبّارة التي أحدثتها انتفاضة تشرين على المستوى السياسي والاجتماعي والأمني والإقليمي والدولي، ذلك قبل أن تأتي الهزّة الكبرى: اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
اقرأ/ي أيضًا: بعد السني والكردي.. "انقلاب" شيعي على علاوي يهدّد تمرير حكومته
رصّت الطبقة السياسية الشيعية صفوفها بطريقة لم نشهدها ربما منذ أيام التحالف الوطني، وحضرت الكتل الشيعية إلى مجلس النواب وأكملت النصاب وصوتت منفردةً على قرار إلزام الحكومة بإخراج القوات الأجنبية، وسط غياب تام للكتل السنية والكردية.
أفترض أن الخطوة المذكورة شكّلت صدمة للقوى السنية والكردية وأعطتها الأسباب الكافية للتوحد وإعادة ترتيب الذات، وهو ما أثّر فيما بعد على تمرير حكومة المكلف محمد علاوي.
ارتكبت القوى الشيعية خطأً سياسيًا مستعجلًا ـ ربما كانت مجبرةً عليه ـ لكنه يبقى في دائرة الخطأ كونها اعتقدت أن الاجتماع على إقرار القانون بإمكانه الاستمرار في ملف تشكيل الحكومة، وقد أخافَ التصويت المنفرد على القانون القوى السنية والكردية وأجبرها على التوحد ذاتيًا ثم التحالف مع بعضها البعض ضد إمكانية تمرير حكومة "الإجماع" الشيعي.
وحّد الكرد موقفهم مستفيدين من تجربة قانون إخراج القوات الأجنبية، وأصروا على رفض تمرير حكومة محمد علاوي بموقف واحد، كما أجمع نواب تحالف القوى بذات الطريقة على رفض تمرير الحكومة رغم العدد القليل من النواب السنة على الضفة الأخرى، الداعمين لعلاوي. لكننا لا نتفق بتاتًا مع ذهب إليه بعض المعلقين والمراقبين من أن الكرد والسنة أفشلا الشيعة في تمرير مرشحهم لرئاسة مجلس الوزراء، كون "الإجماع الشيعي" ذاته كان صوريًا وثَبتت هشاشته بعد غياب نحو 90 نائبًا شيعيًا بحسب التصريحات وعدد الحاضرين في الجلسة الاستثنائية الفاشلة الأخيرة، بمعنى أن كتلًا شيعية هي من انقلبت على محمد علاوي وساهمت بإفشال تمرير وزارته بالتوافق مع "القوى" والكرد.
كانت النتيجة كارثية بالنسبة للمراهنين على الإجماع الشيعي في تمرير الحكومة، إذ تشظى الإجماع في الخطوة الثانية بعد الموقف من القوات الأجنبية، في الوقت الذي أعاد ذلك الموقف توحيد الأحزاب الكردية وتقوية موقف تحالف القوى الداخلي وخَلق جبهة من الطرفين.
لم ينجح الانقسام الأفقي، كما لم ينتج الانقسام العمودي مشاريع وطنية متماسكة ذات رؤية واضحة وثابتة، وقد تاهت البوصلة الشيعية بين التوافق والأغلبية الطائفية والأغلبية السياسية التي ربما ستُعيد تفعيلها مرةً أخرى بعض الأقطاب كرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي والفريق الرافض لتمرير علاوي، وبغض النظر عن إمكانية القوى الشيعية للسيطرة على تلك الأغلبية، يجدر بنا إعادة القول ابتداءً إن الأغلبية السياسية هي خيار أفضل من التوافق شرط أن تكون أغلبية "مشروع وطني" تتفق عليه أحزابٌ مَهمتها طرح البرنامج الحكومي والعمل على تنفيذه من قبل الوزارة التي تشكّلها، وأقلية معارضة مَهمتها المحاسبة والمراقبة، كشأن الأنظمة الديمقراطية؛ لكن الخوف من أن يكون الانقسام ليس على المشاريع الوطنية، بل على "المشاريع الخارجية"، بمعنى أن يُحدد الولاء للجبهة الخارجية شكل وأساس الانقسام الطولي الداخلي، والفوز بالتالي للأغلبية العددية، ذلك سينتج صدامًا طائفيًا (أو أهليًا) من نوع آخر يأخذ صراع الدول المُتصارعة عبر التحالفات، ويبقى القرار الوطني مرهونًا بالداعم الخارجي، وهذا ما كبتنا عنه قبل سنوات في معرض نقد مشروع المالكي للأغلبية السياسية.
القوى الشيعية الآن منقسمة، عاجزة عن إعادة توحيد الصفوف، كما أن بقاءها مفتتة في مواجهة تكتل سني ـ كردي قوي سيُضعف من إمكانيتها على المبادرة
ينبغي على القوى الشيعية مراجعة الذات والتأمل في مسارها السياسي وطريق التحالفات التي ذكرناها باختصارٍ مخلٍ ربما، من أجل المستقبل، فهي الآن منقسمة، عاجزة عن إعادة توحيد الصفوف، كما أن بقاءها مفتتة في مواجهة تكتل سني ـ كردي قوي سيُضعف من إمكانيتها على المبادرة.
اقرأ/ي أيضًا: رسالة إلى القوى الشيعية.. دعوة لركوب الموجة!
قد يكون من الضروري القول إن التركيز على القوى الشيعية ودورها في صناعة التحالفات يأتي لكونها الحجر الأقوى في العملية السياسية وبالتالي فأن تغيير بوصلة النظام والبدء بأي عملية إصلاح يفترض إرادة شيعية بالأساس.
يعتقد الكثيرون ـ ونتفق معهم تقريبًا ـ أن المحاصصة الطائفية الحزبية بشكلها السرطاني في جسد الدولة العراقية ليست شأنًا دستوريًا، بل هي جزء من العُرف الذي ساد بعد 2003 نظرًا للعقلية التي حكمت سواء من بريمر أو من جاء بهم، وعلى هذا الأساس، بالإمكان إعادة صياغة الأعراف السياسية من جديد قبل أن تتجذر، وبما يتناسب مع طبيعة المرحلة، وبالاستناد على مفاهيم انتفاضة تشرين الرافضة للأعراف القديمة.
لقد افتتحت القوى الشيعية النظام بعد 2003 بالتحالف مع القوى الكردية على قاعدة تفاهمات ما قبل إسقاط نظام صدام حسين مقابل ممانعة سُنية للعملية السياسية، وبالإمكان الآن بعد دخول أغلب القوى السنية في العملية السياسية إعادة افتتاح النظام و"تصفير العداد" بتحالف شيعي ـ سني على أسس متينة.
إن الانقسام على أساس القومية العربية والكردية هو البديل الأسلم من الانقسام الثنائي: القومي/الطائفي، المؤدي إلى انقسامات "أميبية" لا سقف لها، كما أن الانقسام القومي الذي يحمل بداخله انقسامًا على المشاريع يُحافظ على وحدة العراق وسيادته وصبغته العربية، ويقوي موقفه أمام دول الجوار العربي والأجنبي، والولايات المتحدة الأمريكية.
يُساعد الانقسام القومي على خَلق أغلبية سياسية مُريحة بإمكانها تمرير رئيس لمجلس الوزراء ورئيس لمجلس النواب كحزمة واحدة ومن تكتلٍ واحد، يساندان بعضهما في التشريع والتنفيذ، ويُسندان من الكتلة الأكثر عددًا، بوجود تفاهمات مع إقليم كردستان دون الانصياع للابتزاز الكردي واللعب على تناقضات الطرفين العربيين، ذلك يتطلب تفاهمًا كبيرًا بين القوى الشيعية والسنية على مبادئ كثيرة. لقد وجد الكرد ما يوحدهم، فلماذا لا تجد الأغلبية العربية ما يوحدها من مشتركات بالأُطر العامة، ثم لتنقسم على أساس المشاريع؟
قد يرى البعض استحالة الانقسام القومي والوحدة العربية داخل العراق؛ لكننا نعتقد أن وجود "إدراك للمشكلة" و"إرادة لحلها" يسهلان لوحدهما تلك المَهمة، خاصةً وأن القوى الشيعية والسنية خاضت العديد من التجارب في التحالفات إلا تجربة أن تتحد فيما بينها، وظنّي أن هذا الطريق أقل وعورة لتجاوز أزمة انهيار الدولة أو تفتيتها أو فدرلتها وإضعافها أو الانزلاق نحو الفوضى، من البقاء على ذات الطرق السابقة، وعلينا جميعًا أن يسأل ونبحث ما هي الطريقة الأسهل للوصول إلى الغاية قبل الحكم على صعوبة التطبيق.
لا بد من قناعة بتأسيس جبهة عربية تتفق على القضايا الرئيسة، ثم تنقسم على نفسها، لكن مرة أخرى، ليس على أساس جبهة أمريكية ـ خليجية، وجبهة إيرانية
إن أُتيحت لنا فرصة مخاطبة القوى الشيعية والسنية فسنقول: لا بد من قناعة بتأسيس جبهة عربية تتفق على القضايا الرئيسة، ثم تنقسم على نفسها، لكن مرة أخرى، ليس على أساس جبهة أمريكية ـ خليجية، وجبهة إيرانية، بل على رؤية كل طرف وطريقته في إدارة الدولة.
اقرأ/ي أيضًا:
الزعامة والفساد والخارج.. صراع الكتل السنية على أسوار حكومة علاوي
"كابينة منقوصة" بإصرار كردي.. هل يكرّر علاوي سيناريو عبد المهدي؟
الكلمات المفتاحية

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية
أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي
نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات