رأي

حرب الأسماء

28 يونيو 2016
GettyImages-518158942.jpg
متظاهرة عراقية في ساحة التحرير (الأناضول)
مصطفى سعدون
مصطفى سعدونصحفي من العراق

في العراق لدينا حساسية من المسميات وليس من التصرفات والأفعال. كل هذا أنتجته الصور النمطية التي اختصرت للكُسالى طريق الوصول لأفكار مغلوطة متجاهلين البحث والقراءة الحقيقية، وضلوا بأحاديث مسموعة تتغير بين ناقل وآخر.

في العراق كما في سواه، الصور النمطية اختصرت على الكُسالى طريق الوصول لأفكار مغلوطة

الإسلامي متطرف ويلغي الآخر، المسيحي كافر، الصابئي نجس، الأيزيدي يعبد الشيطان، الشيوعي ينشر الدعارة، العلماني يشجع على شرب الخمر، الليبرالي يساعد على نشر الرذيلة، المدني يدعو النساء لترك الحجاب... إلخ من صور نمطية عبثية.

اقرأ/ي أيضًا: بريطانيا العظمى بين الخيال والحقيقة

التغيير الذي حصل على إثر الغزو الأمريكي للعراق 2003 فاجأ أغلب العراقيين بوجود فكر ورؤى ومسميات وانتماءات غير التي زرعها صدام حسين في عقولهم، خاصة الشباب، فالأجيال التي تضررت كثيرًا من ممارسات سلطة البعث آنذاك حاولت الخلاص من ما ترسخ ببالها من أفكار، فبعضها لجأ للتيارات الإسلامية وبعضٌ للتيارات العلمانية الليبرالية. هذا الانتماء السريع والمفاجئ إلى تلك التيارات، دون وجود أساسيات فكرية اطلع عليها المنتمي خلقت منه متطرفًا، إسلاميًا، ليبراليًا، علمانيًا. ظل ينظر للآخر على أنه عدو لاغٍ لفكره وطروحاته، ولا يمكن النقاش معه ما دام يختلف عني، لذا من الضروري أن أسعى للحفاظ على "هويتي" عبر الإساءة لطروحاته.

الانعزال بين تلك الانتماءات الفكرية وعدم التواصل فيما بينها كان سببًا آخر في خلق أعداء من لا شيء، فكان أي منهم عندما يرى الآخر أو يسمع عنه يحاول أن يشوه فكرته، حتى وصلنا لمرحلة الاشمئزاز من ذكر أي فكر يخالفنا، فأصبحت خلافاتنا على المسميات أكثر من خلافاتنا على سلوك الآخر أو أهدافه أو طروحاته.

الاحتجاجات الشعبية التي يعيشها العراق منذ عام تقريبًا رفع فيها شعار "الدولة المدنية"، فجنّ جنون الإسلاميين المتطرفين، بينما كثير ممن يرفعون هذا الشعار يمكن القول عنهم إسلاميين، فراحت جيوشهم الإعلامية السرية تشوه صورة قيادات التظاهرات وتنقل الأخبار غير الصحيحة عنهم، بأنهم يحاولون طمس الهوية الإسلامية، بينما الحقيقة كانت عكس ذلك.

المدنيون أيضًا كانت نظرتهم حادة نوعًا ما تجاه الإسلاميين في بادئ الأمر، واعتبر عدد كبير منهم جميع الإسلاميين متطرفين وساعين لإلغاء التمدن في العراق. لكنهم في نهاية المطاف، بعض المدنيين وبعض الإسلاميين، تحالفوا، فتماهى المدني في خطابه مع الإسلامي، فظهرت جماعة جديدة اعترضت على ذلك.

الانعزال بين الانتماءات الفكرية العراقية، وعدم التواصل فيما بينها كان سببًا آخر في خلق أعداء من لا شيء

عدد من المنسحبين أو الرافضين لتماهي المدنيين مع فئة معينة من الإسلاميين، قالوا إنهم سيصححون مسار التظاهرات الشعبية في العراق وأن لا تُقاد من قبل حزب شارك في الحكومات العراقية بعد العام 2003، فأطلقوا شعار "أنا علماني".

اقرأ/ي أيضًا: الربيع الأوروبي.. بداية لتفكيك القارة العجوز

شكل هذا الشعار ما هو أشبه بالصدمة بالنسبة للمدنيين وحلفائهم من الإسلاميين، واعتبروه لاغيًا لهما، مثلما اعتبر بعض من رفع شعار "أنا علماني" بأن المدنية مصطلح لا معنى له وأن العلمانية هي الحل. هؤلاء جميعًا الإسلاميون والعلمانيون والمدنيون وغيرهم، لو بحثت عن المشتركات بينهم لوجدتها أكبر وأكثر من خلافاتهم، لكنهم مصرون على التسميات الانتمائية.

بالتالي إن التمسك بالتسميات قد يبعد الأطراف المشتركة في أغلب الأهداف عن تحقيق النتائج، وأنه بمجرد أن تسيء الظن بالآخر قبل خوض تجربة جادة معه يخلق منك متطرفًا مهما كان الانتماء الذي تدعيه. النتائج لو ما أردنا الوصول إليها بشكل حقيقي، فعلينا أن نبحث عن المشتركات ونتصارح مع بعضنا لتأسيس دولة مواطنة حقيقية تحترم الجميع، لا أن نبقى نلهث وراء مسميات تعمق الفجوة بين الجميع، شرط أن لا يتخلى الجميع عن مبادئه الإنسانية السلمية غير الرافضة للآخر.

اقرأ/ي أيضًا:

على الإمبراطورية اللاتينية أن تثأر

حسن الذي أساءَ فهمَ الصخرة

الكلمات المفتاحية

الحروب.jpg

2025.. عام الحرب والسلام

الحروب هي في الأساس توترات مؤجلة انفجرت وتصاعدت بسرعة


الدراما في العراق.jpg

المسلسلات في "عام الإنجازات"!

هناك أسئلة عديدة حول المنحة الحكومية للدراما في العراق خلال 2024


احتفالات في غزة.jpg

نعم.. انتصرت غزة

الكيان الإسرائيلي في نكبة ليست أقل من نكبة غزة


مسعود بارزاني السوداني.jpeg

خلافات بغداد وأربيل.. تنافس يوضح المشهد السياسي لانتخابات 2025

لا يمكن أن تأتي إعادة تشكيل القوة في العراق إلا نتيجة لحدث عراقي أو إقليمي كبير من شأنه أن يعيد ضبط اللعبة

11 ابتزاز.jpg
أخبار

القضية وصلت إلى السفارة والمخابرات.. اعتقال عراقي ابتز امرأة أجنبية

أعلن جهاز الأمن الوطني اعتقال متهم بمحاولة ابتزاز امرأة أجنبية، إثر تلقي شكوى من خلال إحدى السفارات العراقية

البنك المركزي الجديد طقس بغداد غيوم.jpg
اقتصاد

البنك المركزي ينشر 3 نقاط من نتائج اجتماعه مع الجانب الأميركي حول القطاع المصرفي

نفى تعرض مصارف عراقية لعقوبات


مجلس الوزراء.jpg
اقتصاد

خبير اقتصادي يطالب البنك المركزي بالكشف عن زيادة الدين الداخلي سنويًا

ارتفاع الدين الداخلي للعراق بنسبة 2.9% ليصل إلى 81 ترليون دينار

عبد اللطيف رشيد.jpg
أخبار

رئيس الجمهورية يواجه سؤالًا برلمانيًا: لماذا رفعت راتبك؟

"الإجابة خلال 15 يومًا"

advert