العراق.. بين كفيل النظام وحامي شخوصه (2ـ2)
6 أغسطس 2021
نبدأ من حيث انتهينا في المقالة السابقة، التعويل على إعادة إحياء الاتفاق النووي بين الدولتين المتحكمتين بقرار النظام العراقي وإذا ما كانت التهدئة بينهما هدفًا حاسمًا لمن يحملون أجندةً وطنية ديمقراطية.
يتحدث سياسيون عن أزمات العراق بفعل الصراع الأمريكي الإيراني ليس بوصفه مسبّبًا للمشكلة فحسب بل مفتاحًا للحل
تتوتر الأوضاع السياسية في العراق وتنسحب إلى المجالات الأخرى كالأمنية كلّما اشتبك حامي النظام السياسي وحامي أركانه. لكن السؤال: هل العكس صحيح؟، أي هل تستقر الأوضاع حين يهدأ الاشتباك؟ - الإجابة ستفسر الكثير.
اقرأ/ي أيضًا: العراق.. بين كفيل النظام وحامي شخوصه (1ـ2)
الآن، يتحدث سياسيون عن أزمات العراق بفعل الصراع الأمريكي الإيراني ليس بوصفه مسبّبًا للمشكلة فحسب بل مفتاحًا للحل. بعبارة أخرى؛ يتبنى العديد من سياسيي العراق معادلة مفادها: طالما وُجِدت الأزمة بسبب الصراع الخارجي فالحل بإنهاء الصراع الخارجي، والطريقة هي التوازن.
بالاستناد إلى طريقة التفكير هذه يُمكن الإجابة على السؤال السابق بنعم، وبالتالي يُمكن انتظار ما سيسفر عنه الاتفاق النووي من تهدئة مُفترضة وبالتالي ينعكس إيجابًا على الأرض في العراق.
تكمن مشكلة طريقة التفكير السياسية العراقية بأنها لا ترى ما يجري حولها من تطورات. يرى طرفٌ أن الولايات المتحدة حرّضت على حكومة عادل عبد المهدي لقربها من إيران وأشعلت (أو استغلت) التظاهرات الشعبية. ويرى طرفٌ آخر أن إيران لن تدع حكومةً مقربةً من الولايات المتحدة تلتقط أنفاسها دون مقاطعة من أزمات وصواريخ وقلاقل الأخرى. من هذه المعادلة تنشأ فكرة التعويل على الاتفاق والتهدئة الأميركية الإيرانية فوق ركام من المشكلات المتفاقمة التي تسببت باحتجاج الناس ومكّنت أيضًا من تجرّؤ الصواريخ على الدولة.
خُلاصة طريقة التفكير المذكورة تتجسد في تصريحات رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي قبل مدة حول "الاستفادة من ثمار التهدئة" ورغبته بأن "يكون العراق من البلدان التي تدير الأزمات بنجاح"، وتطلّعه لـ"اتفاق بين إيران والولايات المتحدة حاسم للمنطقة".
الحق، إن الطبقة السياسية العراقية محقّة بطبيعة الحال في طريقة تفكيرها لناحية مصالحها هي لا مصلحة الدولة، بالذات حين تتيقن من أن الدولتين لا تريدان تغييرًا جذريًا، فأجندةُ السياسيين العراقيين ليست بناء الدولة وإنما البقاء في السلطة بالنسق الذي هي عليه ونهب ثروات البلاد وتقاسم المناصب دون المزيد من التوترات الناجمة عن مشكلات الولايات المتحدة وإيران. هنا تكون التهدئة الأمريكية الإيرانية وإعادة إحياء الاتفاق النووي نافعتين للنظام العراقي وأطرافه.
بالنسبة للدولة من منظور وطني ديمقراطي، ليس الاتفاق بما هو اتفاق خطوة إيجابية؛ بل نوعية الاتفاق وما سيتضمنه من نقاط تخص العراق والمنطقة. ولأن "النخبة" السياسية العراقية لا تمتلك القرار ولا الرؤية ولا التأثير فهي غير قادرة على مجرد طرح مصالحها على طاولة الحوار، خصوصًا وإن الاتفاق القادم يُفترض أن يتضمن الوجود الإيراني في المنطقة وملف الصواريخ والتدخلات، وقد لا ينحصر بالنووي كما كان في 2015. ومن هنا، فأن مخرجات الاتفاق الذي تُعقد عليه آمال الكاظمي وبعض الأحزاب السياسية مبهمة لناحية مصالح العراق/الدولة التي قد تستفيد وقد تتضرر، ومن المحتمل أن يشمل الضرر حتى مصالح السياسيين.
كيف ذلك؟.. سيناريوهات عدّة مطروحة لا تقتصر على توافق الدولتين حول الأوضاع في العراق، فبالإمكان انسحاب أو رفع يد أو تقليل تدخل إحدى الدولتين/ الأمر الذي سيؤثر على بعض أو كل أحزاب النظام، ومن ضمن تلك السيناريوهات (بالتوافق أو عدمه) ترك العراق لمصير مشابه لما حدث ويحدث في لبنان، ولعل العواقب في بغداد أكثر خطورة مما هي في بيروت لأسباب مختلفة.
نقول إن غياب الأجندة العراقية هو الحلقة المفقودة وسط الصراع الأمريكي الإيراني، وأطلقنا عليها "الوطنية الديمقراطية" لأن احتمالات الانقلابات واردة سواء أكانت من أطراف قريبة من إيران أو العكس، وقد ذكرنا في الجزء الأول أن تدخل الدولتين شمل حتى مفاصل أمنية مهمة.
غياب الأجندة العراقية "الوطنية الديمقراطية" هو الحلقة المفقودة وسط الصراع الأمريكي الإيراني
هذا الغياب يعني بالضرورة غياب المصالح العليا المُتفق عليها نظريًا والتي يُسعى إليها عمليًا بالعادة، وبالتالي فأن الأمر متروك للصدف التي قد تجتمع لتحريك القارب باتجاه يصب في مصلحة العراق ولو مؤقتًا، ويبقى هذا في خانة الآمال والأمنيات ولا يمت للسياسة بصلة.
اقرأ/ي أيضًا: